تنظيم مهنة عدول الإشهاد.. مخرجات جلسة استماع لـ4 أطراف

0

المنبر التونسي ( تنظيم مهنة عدول الإشهاد.. مخرجات جلسة استماع لـ4 أطراف ) _ عقدت لجنة التشريع العام جلسة كامل يوم الخميس 22 ماي 2025 تواصلت إلى ساعة متأخّرة، وخصّصت للاستماع إلى كلّ من ممثلي الإتحاد الوطني للمرأة التونسية، وعمادة المحاسبين بالبلاد التونسية، والهيئة الوطنية للمحامين والهيئة الوطنية للعدول المنفذين وذلك في إطار تعميق النظر في مقترح قانون عدد 2023/41 المتعلق بتنظيم مهنة عدول الإشهاد بحضور ممثلي النواب المبادرين بمقترح هذا القانون.
وفي مستهل تدخلها أوضحت رئيسة الاتحاد الوطني للمرأة التونسية أنّ موقف الاتحاد من مقترح القانون المتعلّق بمهنة عدول الإشهاد ليس من باب التنازع حول الاختصاص ولا هو صراع بين مهن وإنما هو من باب الدفاع عن حقوق ومكتسبات المرأة التونسية. وبيّنت أنّ ما تضمنه مقترح القانون، وتحديدا ما ورد بالفصل 26 منه من حصر لاختصاصات مطلقة لعدل الإشهاد دون سواه، ومن ذلك اختصاصه ” بتوثيق الطلاق الرضائي”، يعدّ مساسا بمكتسبات المرأة التونسية وحقوقها التي يكفلها الدستور والمواثيق الدولية، مشيرة إلى أن ذلك جعل من تونس نموذجا في مجال حقوق النساء ، ومن مجلة الأحوال الشخصية مرجعا يكرّس الاستقرار الأسري.
وبيّنت أن مقترح القانون في صيغته الحالية ينطوي في علاقة بالتنصيص على توثيق الطلاق الرضائي على تعارض مع عدد من النصوص القانونية سارية المفعول وعلى رأسها دستور جويلية 2022 الذي ينصّ في فصله 12 على أن الأسرة هي الخلية الأساسية للمجتمع، فضلا عن أحكام الفصول 22 و23 و51 و52 منه التي تضمن حقوق المرأة ومكتسباتها، هذا بالإضافة إلى مجلة الأحوال الشخصية التي تنص صراحة على أنه لا طلاق إلا لدى المحكمة، وهو التجديد الذي أرساه المشرع آنذاك بجعل الزواج رسميا وكتابيا والطلاق حكميا، حيث أحاطت الرابطة الزوجية العناية الخاصة لتجعل السعي نحو قطعها مسألة تدار داخل قصور العدالة. فالقاضي هو من يحكم بالطلاق دون سواه.
كما أوضحت رئيسة الاتحاد أن توثيق الطلاق الرضائي لدى عدل الإشهاد يخالف ضمنيا منظومة حماية حقوق الطفل التي ضمنتها مجلة الطفل والاتفاقيات الدولية التي صادقت عليها تونس والتي أوجبت على قاضي الأسرة إصدار أحكام وفقا لمصلحة الطفل الفضلى.
وأفادت ان الهدف من الإجراءات القضائية لإيقاع الطلاق فيه محاولة لإثناء الزوجين عن ذلك وهو ما يؤكد أهمية الخلية العائلية وحماية الافراد من الآثار السلبية للتفكك العائلي من ناحية، وضمان حقوق كل الأطراف.
واعتبرت أن إسناد هذا الاختصاص لعدول الاشهاد دون سواهم بتعلّة المساهمة في الحد من ضغط قضايا الطلاق على المحاكم والحد منها وتيسيير إجراءات الطلاق الرضائي، يعدّ طرحا يتعامل مع الزواج على أنه عقد لا مؤسسة يمكن انهاءه بمجرد تحرير وثيقة. كما أشارت إلى أن تجارب اتحاد المرأة الميدانية اثبت أنّ رفع دعاوى طلاق بالتراضي لا يعكس الاتفاق الفعلي بين الزوجين وإنما يصدر لإكراهات واسباب مختلفة.
وأكّدت أن مؤسسة القاضي الصلحي هي الوحيدة الكفيلة بإصلاح ذات البين بين الزوجين، والوقوف على الاسباب الحقيقية للطلاق، وان دعم هاته المؤسسة واصلاحها ان اقتضى الأمر ، وحده كفيل بحماية حقوق المتقاضين وأبناءهم القصر. وأضافت أن الطلاق لا يمكن أن يصدر الا عن المحاكم، مبيّنة أن إلغاء دور قاضي الأسرة والطور الصلحي وما يقتضيه احيانا من تكليف ذوي الاختصاص في مجالات فنية او علمية لمزيد الاطلاع على حقيقة أوضاع الزوجين المتنازعين، هي آليات كفيلة بضمان حقوق جميع الأطراف لا يمكن أن يقوم بها غير القضاة المختصين والمؤهلين للبت في النزاعات الأسرية.
وأشارت إلى أن الاستئناس بعدد من التجارب المقارنة في هذا المجال يعد من باب المغالطات حيث أن تدخل عدول الإشهاد لتوثيق الطلاق الرضائي يكون في إطار مسار تفاوضي لمحاميي الطرفين ويستغرق حيزا زمنيا هاما. كما بيّنت ان هذه البلدان بصدد مراجعة هذه الإجراءات التي اثبتت عدم نجاعتها. هذا فضلا على أن الدعوة إلى استنساخ مقاربات مخالفة لخصوصيات وموروث المجتمع التونسي لا تستقيم لخطورتها وتهديدها للسلم الاجتماعي والنظام العام .
وخلال الاستماع إلى ممثلي عمادة المحاسبين بالبلاد التونسية، ثمّن ممثلو العمادة تحفظهم على ما ورد صلب الفصل 26 من مقترح القانون وما تضمنه من اختصاصات حصرية لعدول الإشهاد دون سواهم والتي تعدّ ضمن صميم مهام المحاسبين وخاصة فيما يتعلق بتوثيق محاضر جلسات الشركات والجمعيات ونقابات المالكين، والإحالة بمقابل أو بدونه للأسهم والحصص المتعلّقة بالشركات وتوثيق محاضر الترفيع في رأس مال الشركات.
وأوضحوا ان هذه الاعمال تندرج ضمن مهام المحاسبين ومسؤولياتهم المباشرة المتمثلة في مرافقة الشركات منذ التأسيس والمواكبة الدورية للتغييرات التي تطرأ عليها وتحرير المحاضر اللازمة إضافة إلى تقديم النصح في الجوانب المالية من استشارات حول الترفيع في رأس المال والموارد المالية، وهو ما يجعلهم مؤهلين لتوثيق هذه العمليات.
وأضافوا ان الكفاءة العلمية للمحاسبين من تخصص في المحاسبة والجباية ومعرفة بقانون الشركات وإتقان للإجراءات القانونية والقيام بالعمليات الاستثنائية في حياة الشركات تجعلهم الأكثر تأهيلا للقيام بتلك المهام دون سواهم خلافا لعدول الإشهاد حيث أن تكوينهم الاكاديمي لا يخوّل لهم القيام بهذه العمليات التي تستند أساسا على أعمال محاسبية .كما بيّنوا أن تكليف المحاسبين بتوثيق هذه العمليات ومتابعتها يضمن الشفافية المالية ويعكس وضعية واقعية ومحاسبية صحيحة للشركاء وللفاعلين الاقتصاديين والدولة وتساهم في سلامة البيانات المالية للشركات.
من جهة أخرى بيّن ممثلو عمادة المحاسبين أن تكليف عدول الإشهاد بجملة الاختصاصات المذكورة أعلاه سيترتب عنه إثقال كاهل المؤسسات الاقتصادية وتعطيل مصالحها ذلك أن عدد عدول الاشهاد لا يمكن ان يغطي كافة متطلبات النسيج الاقتصادي.
واستمعت اللجنة إلى ممثلي الهيئة الوطنية للمحامين، الذين عبّروا عن رفضهم القطعي لمقترح القانون المعروض لأسباب وطنية تتعلّق بحماية السلم الإجتماعي والاقتصاد الوطني. وأشاروا إلى أنه كان محلّ رفض من قبل اللجان المحدثة سابقا صلب وزارة العدل نظرا لما تضمّنه من مطالب قطاعية مجحفة ومضرة بمصالح المواطنين ولمساس أحكامه بالمنظومة التشريعية الجاري بها العمل وبالحقوق المكتسبة قانونا.
كما اعتبروا أن هذه المبادرة ترمي الى تحقيق منافع قطاعية على حساب كل الثوابت والمكتسبات الدستورية بصفة عامة. وبيّنوا أن ما جاء فيها من أحكام وخاصة الفصل 26 تمثل استيلاء على اختصاصات عديد المهن الحرة وهي على حدّ تعبيرهم سطو تام على اختصاصات المحامي بفرض تحرير جميع العقود التي أوجبت النصوص الجاري بها العمل أن يكون البعض منها من اختصاص المحامي
كما اعتبر ممثلو الهيئة الوطنية للمحامين أن هذا المقترح يمثل تهديدا للقضاء ومساسا باختصاصاته في إقامة العدل خاصة مبدأ المواجهة وحق اللجوء للعدالة حيث أنه يكرس التنفيذ على المدين دون حكم أو سند قضائي ودون احترام مبدأ المواجهة وحقوق الدفاع من خلال تمكين عدل الإشهاد من صلاحية اكساء الحجة العادلة بالقوة التنفيذية طبقا للفصل 44 منه الذي يلغي حق النفاذ الى العدالة وحق المتقاضي في الاستعانة بمحام أمام القضاء لتقديم دفوعاته في إطار مبدأ المواجهة والدفاع عن حقوقه.
واعتبروا كذلك أن تحرير العقود على غرار عقود الاستثمار مع جهات أجنبية وعقود نقل الملكية الفكرية والصناعية والعقود المتعلقة بإحالة الحصص والأسهم المتعلقة بالشركات وعقود البيع في إطار إيجار مالي، تستوجب تخصصا وتكوينا قانونيا معمّقا.
من جهة أخرى بيّن ممثلو الهيئة أن إسناد الاختصاص لعدول الإشهاد في تحرير عقود التبرع بالاعضاء وإقامة حجج الوفيات وتوثيق الطلاق الرضائي، يعدّ مناقضا ومنافيا للتشريع الجاري به العمل، حيث تخضع هذه المسائل إلى قوانين خاصة بها.
هذا وتطرقوا إلى عديد الهنات القانونية والتناقضات التي شابت مقترح القانون على غرار التنصيص على استقلالية عدل الإشهاد في حين أنه مأمور عمومي مفوض من الدولة ، واشتراط تأمين مبلغ عشرة آلاف دينار بالخزينة العامة للقيام بالتتبع ضد عدل الإشهاد مما يضرب مبدأ النفاذ للعدالة.
وتوقفوا بالخصوص عند خطورة إسناد صلاحية توثيق الطلاق الرضائي لعدل الإشهاد باعتبارها تمسّ من مكتسبات الأسرة التونسية وحقوق المرأة.
وخلال الاستماع الى الهيئة الوطنية للعدول المنفذين ، إعتبر ممثلو الهيئة أن جميع مطالب العدول المنفذين منذ نشأة المهنة كانت تصبو دائما إلى تطوير النظام القضائي وضمان حقوق جميع الأطراف بعيدا عن القطاعية المقيتة و المصلحة الضيقة. كما أن تطوير التشريعات المنظمة للمهن المساهمة في تسيير المرفق العام العدلي لا يجب أن يكون مدخلا لخدمة المصالح القطاعية والاستيلاء على اختصاصات العدل المنفذ المنصوص عليها بالقانون الأساسي عدد 9 المؤرخ في 30 جانفي 2018 المنظم للمهنة وأن لا يكون سببا في التضييق على المعاملات و إثقال كاهل المواطنين بمصاريف جديدة لإجراءات غير منتجة على غرار تحرير عقود التفويت و التواكيل المتعلقة بالعربات .
وفي هذا الإطار بيّن ممثلو الهيئة الوطنية للعدول المنفذين أن المقترح المعروض لا يعبر عن دوافع اقتصادية واجتماعية أو أمنية ملحة كما يراد التسويق له، كما أن هناك مسائل لم تثر إشكاليات تستوجب تدخلا تشريعيا لتنظيمها، وأضافوا أن المشروع في صيغته الحالية ينطوي على فوضى تشريعية وعلى مخاطر جمة على غرار تعميم الكتائب بحجة عادلة على جميع المعاملات مما يتعارض مع تقتضيه السرعة و الثقة في المادة التجارية.
كما بيّنوا أن المقترح المعروض يتضمّن إفراطا مجحفا سواء على مستوى الاسناد الحصري لترسانة من الاختصاصات لعدل الاشهاد أو على مستوى الحصانة باشتراط تأمين مبلغ عشرة آلاف دينار بالخزينة العامة الى حين صدور حكم بات.
واعتبروا أن الفصل 75 من دستور 2022 يوجب اللجوء الى شكل قوانين أساسية كلما تعلقت بتنظيم العدالة والقضاء والحريات وحقوق الإنسان والأحوال الشخصية مما يقتضي مقاربة شاملة لكافة القوانين واتخاذ كافة قواعد الحيطة والحذر.
\َوبينوا أن المقترح المذكور يتضمن المساس بأسس قانون الأحوال الشخصية والقانون المدني والقانون التجاري وقانون الأكرية التجارية والفلاحية، ويحيد بالمعايير المؤسسة لتوزيع الصلاحيات بين توثيق الاتفاقات الراجعة لعدالة الاشهاد والسير بالإجراءات المتعلقة بالنزاعات مجال تدخل العدول المنفذين . كما اعتبروا أن اكساء الحجة الرسمية بالصبغة التنفيذية من قبل عدل الاشهاد فيه خرق لمبدأ المواجهة بين الخصوم وحق الدفاع للمتقاضين.
واعتبروا أنّ ما ترتّب من بطلان مطلق لكل ما أنجز من غير عدول الإشهاد بمقتضى الفصل 26 هو من قبيل الضرب الصريح لمبدا الحرية التعاقدية للمواطن المكفول بالفصل 422 من مجلة الالتزامات والعقود.
كما أكّدوا أن ما جاء بمقترح القانون يمثل تهديدا لمكاسب الأسرة والمرأة والطفولة و استهانة بدور القضاء في تحصين الأسرة وحمايتها.
ومن جانبهم أجمع النواب على أهمية تنظيم المهن ذات العلاقة بالمرفق القضائي وتطويرها ضمن رؤية إصلاحية وطنية شاملة بعيدا عن المقاربات القطاعية وتنازع الاختصاصات.
وأكّدوا أنّ دستور جويلية 2022 ضمن حق النواب في المبادرة التشريعية، كما كرّس النظام الداخلي المقاربة التشاركية في المسار التشريعي بانفتاح مجلس نواب الشعب على كافة الآراء والمقترحات للأطراف ذات العلاقة بهدف تجويد النصوص التشريعية وبلوغ غاياتها التنظيمية.
وفي ما يتعلق بمقترح قانون عدول الاشهاد، عبّر عدد من النواب عن رفضهم خاصة لما ورد ضمن الفصل 26 منه والمتعلق بتوثيق الطلاق الرضائي لدى عدل إشهاد. واعتبروا أن هذه المسألة هي مجتمعية بحتة لا علاقة لها بتنازع اختصاص بين المهن وان أي تراجع في مكتسبات المرأة والأسرة، يعدّ تراجعا للمجتمع ككل.
وأكّدوا أن المكاسب التي تم إقرارها لفائدة العائلة التونسية لا يمكن للمشرع المساس منها وأن القضاء هو الضمانة الوحيدة لحمايتها.
واعتبر عدد آخر من النواب أن مقترح القانون المعروض يفتقر الى أبسط مقوّمات النصوص القانونية لما فيه من هنات سواء على مستوى الصياغة القانونية أو على مستوى ما تضمنه من فصول متضاربة وما أسنده من اختصاصات مطلقة لعدول الإشهاد تتعارض مع النصوص القانونية سارية المفعول. واعتبروا أن المبادرة المعروضة لا تستوجب تعديلا في بعض الفصول فحسب وإنما تتطلب مراجعة جذرية.
واعتبر عدد من النواب ممثلي جهة المبادرة أن مقترح القانون المعروض على أنظار اللجنة لم يتضمّن مساسا بحقوق المرأة المكتسبة ولا ضربا لمجلة الأحوال الشخصية، وأنّه فيما يتعلّق بمسألة توثيق الطلاق لدى عدل الإشهاد فإن الأمر يقتصر على الطلاق الرضائي.
واكّدوا أنّ مقترح القانون المعروض هو محاولة لتنظيم مهنة عدول الإشهاد كخطوة أولى لتنظيم بقية المهن ذات العلاقة بمرفق العدالة، وأنهم منفتحون على جميع الملاحظات والتعديلات بما يمكن من تجويد النص المعروض.

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

The reCAPTCHA verification period has expired. Please reload the page.