المنبر التونسي ( مليون محاولة هجوم إلكتروني) – في ظل تسارع وتيرة التحول الرقمي في المملكة، من خلال اعتماد الحلول السحابية، وتوسّع التشغيل الآلي الصناعي، وانتشار الخدمات المالية عبر الإنترنت، تواجه الشركات المغربية تصاعداً ملحوظاً في التهديدات السيبرانية التي لم تعد تقتصر على استهداف البيانات فحسب، بل تمسّ مباشرةً استمرارية الأعمال وثقة العملاء.
شهدت العاصمة الرباط اليوم انعقاد دورة عام 2025 من مؤتمر KNext Rabat، الذي نظمته شركة Kaspersky تحت رعاية وزارة الانتقال الرقمي وإصلاح الإدارة. وكشفت المعطيات الصادرة عن نظام الرصد التابع للشركة عن تسجيل أكثر من 20.7 مليون محاولة هجوم إلكتروني في المغرب خلال النصف الأول من السنة الجارية، ما يعكس حجم المخاطر التي تواجهها المنظومات المعلوماتية في القطاعين العام والخاص.
تهديدات آخذة في التطور
أوضحت التحليلات المستقاة من شبكة الأمن التابعة لـ Kaspersky (KSN) أن المملكة شهدت، خلال الفترة الممتدة من يناير إلى يونيو 2025، المعطيات التالية:
- حوالي 15 مليون تهديد محلي،
- ما يقرب من 6 ملايين هجوم مرتبط باستخدام الإنترنت،
- 800 ألف هجوم استغلّ ثغرات برمجية (“exploits”)،
- 390 ألف محاولة لسرقة بيانات اعتماد من قبل أدوات “stealers”،
- 8 آلاف برنامج خبيث من نوع الأبواب الخلفية (“backdoors”) تمّ زرعها عن بُعد،
- 2.1 مليون هجوم عبر بروتوكول الاتصال عن بُعد (RDP)،
- و230 ألف حالة رصد لبرمجيات التجسس (“spyware”).
ولا تكمن الخطورة في حجم الهجمات فحسب، بل في طبيعتها المتجددة وأساليبها المتطورة. فقد شهدت محاولات سرقة البيانات وعمليات التجسس ارتفاعاً بنسبة 22% مقارنةً بالنصف الأول من عام 2024، ما يعكس تحوّل المهاجمين نحو استهداف مباشر للمؤسسات وموظفيها، ولا سيما في القطاعات البنكية والصناعية والاتصالية. وتبرز هذه المؤشرات الحاجة الملحّة إلى تعزيز البنية الوطنية للأمن السيبراني من خلال حلول متقدمة ويقظة مستمرة.
حوادث حديثة تؤكد الحاجة إلى التحرك
تعكس هذه الأرقام واقعاً ملموساً يتجلّى في سلسلة من الحوادث السيبرانية التي شهدتها المملكة خلال الأشهر الأخيرة، والتي طالت مؤسسات عمومية وشركات اقتصادية بارزة. وتشير هذه الوقائع إلى أن الشركات المغربية لم تعد ضحية عرضية في ساحة الهجمات الرقمية، بل أصبحت هدفاً استراتيجياً لمجموعات إجرامية تسعى إلى استغلال أية ثغرة محتملة في أنظمة المعلومات.
وفي هذا الإطار، تندرج الاستراتيجية الوطنية للأمن السيبراني 2030 التي أطلقتها المديرية العامة لأمن نظم المعلومات (DGSSI) التابعة لإدارة الدفاع الوطني، والتي تشكّل مرجعاً وطنياً شاملاً يحدّد معالم العمل المستقبلي في هذا المجال. وترتكز هذه الاستراتيجية على أربعة محاور أساسية: تعزيز الحوكمة الوطنية للأمن السيبراني، ضمان أمن ومرونة الفضاء الرقمي، تطوير الكفاءات الوطنية، وتوطيد التعاون الدولي.
وتهدف هذه الرؤية إلى تمكين المغرب من ترسيخ مكانته كـ فاعل إقليمي رائد في مجال الأمن السيبراني، مع دعم السيادة التكنولوجية وتعزيز الثقة في الاقتصاد الرقمي الوطني. كما تتقاطع توجهات هذه الاستراتيجية مع المقاربة التي تعتمدها Kaspersky، والتي ترى أن مواجهة التهديدات الحديثة تتطلب استجابة جماعية منسقة واستباقية تقوم على الشراكة والمسؤولية المشتركة.
نحو مقاربة جماعية واستراتيجية مستدامة
إدراكاً لحجم هذه التحديات، تدعو Kaspersky المؤسسات المغربية إلى اعتماد مقاربة استباقية متكاملة ترتكز على التكنولوجيا المتقدمة، والحكامة الرشيدة، وتنمية المهارات البشرية. وقد تمّ خلال مؤتمر KNext Rabat 2025 عرض جملة من التوصيات العملية التي تشكّل خارطة طريق لتعزيز الحماية الرقمية، من أبرزها:
- اعتماد حلول متخصصة للأمن السيبراني تتيح رؤية شاملة ودقيقة للأنظمة الصناعية ونقاط الدخول الحساسة،
- إرساء سياسات محكمة لإدارة صلاحيات الوصول إلى الموارد الداخلية والواجهات التشغيلية،
- تنفيذ نسخ احتياطية منتظمة وموزّعة للبيانات والإعدادات التشغيلية،
- تكثيف جهود التوعية والتكوين للموظفين لمواجهة تهديدات التصيّد الإلكتروني والهندسة الاجتماعية ومحاولات الاختراق الموجهة،
- التعاون مع شركاء موثوقين لضمان فعالية عمليات التدقيق، والمراقبة المستمرة، والاستجابة السريعة للحوادث.
وتنسجم هذه المقاربة الشمولية مع الرؤية الوطنية للتنمية الرقمية، مؤكدةً أن الأمن السيبراني لم يعد مسألة تقنية فحسب، بل أصبح ركيزة أساسية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية في المملكة.
وقال السيد سامي تاجين، مدير الحسابات الكبرى لدى Kaspersky: «إن الأمن السيبراني لم يعد خياراً تقنياً للشركات المغربية، بل أصبح رهانا استراتيجياً يحدد استمرارية النشاط وسمعة المؤسسة وثقة عملائها. وقد أثبتت الأحداث الأخيرة أن القدرة على التوقّع، والفهم، وتنظيم الاستجابة هي الأساس لتحويل الأمن الرقمي إلى عنصرٍ محوريّ من عناصر التنافسية المستدامة».