المنبر التونسي (ستاندرد آند بورز) – يشهد سوق الأسهم الأمريكية حالة من الترقب والتقلبات الواضحة منذ بداية هذا الأسبوع، حيث أغلق مؤشر ستاندرد آند بورز 500 على تراجع بنسبة 0.30% أمس الثلاثاء عند 6370 نقطة، في وقت أنهى فيه سلسلة مكاسب قياسية استمرت لستة أيام متتالية. وبرأيي هذه الحركة التصحيحية جاءت وسط ضغوط متزايدة من عدة اتجاهات، أهمها تعثر المحادثات التجارية مع الصين، و نتائج أرباح الشركات التي جاءت متباينة، إضافةً إلى ترقب المستثمرين لقرار مجلس الاحتياطي الفيدرالي بشأن أسعار الفائدة. ومن وجهة نظري، هذا التراجع طبيعي وصحي بعد موجة صعود قوية، وهو بمثابة إشارة على إعادة تموضع المحافظ الاستثمارية أكثر من كونه بداية لانعكاس هبوطي طويل الأمد. والسوق يختبر حالياً قوة الزخم الشرائي استعداداً للمرحلة المقبلة.
ومن الناحية الاقتصادية، تترقب الأسواق باهتمام قرار مجلس الاحتياطي الفيدرالي الذي من المتوقع أن يبقي أسعار الفائدة ضمن نطاق 4.25% إلى 4.5%، إلا أن ما يشغل الأسواق ليس القرار نفسه بل لغة الخطاب الذي سيلقيه جيروم باول. فالفيدرالي اليوم في موقف حساس للغاية، فهو يحاول الموازنة بين الحفاظ على معدلات تضخم قريبة من المستهدف وعدم خنق النمو الاقتصادي الذي بدأ يظهر علامات ضعف في بعض المؤشرات مثل انخفاض فرص العمل في تقريرJOLTS لشهر يونيو. وبرأيي، السوق يراهن على أن الفيدرالي سيترك المجال مفتوحاً لخفض الفائدة لاحقاً إذا استمرت بيانات التوظيف والناتج المحلي في التراجع. وهذا السيناريو قد يوفر دعماً للأسهم لاحقاً، لكن المستثمرين لن يتحركوا بقوة قبل صدور إشارات واضحة من باول.
أما أرباح الشركات، فنلاحظ أن موسم الإعلان الحالي يحمل إشارات متناقضة. فبينما تجاوزت أرباح نحو 82% من شركات مؤشر ستاندرد آند بورز 500 التوقعات، إلا أن النتائج السلبية لبعض الشركات الكبرى مثلUPS وWhirlpool والتي شهدت انخفاضات حادة في أسهمها، أثارت المخاوف من احتمالية تباطؤ إنفاق المستهلكين وتراجع الطلب العالمي. وفي المقابل، جاء أداء بوينج قوياً مع تسليم أكبر عدد من الطائرات منذ عام 2018، لكن أسهم الشركة تراجعت بأكثر من 4% بسبب عمليات جني الأرباح وعدم وضوح الرؤية المستقبلية. لذا أرى أن هذا التباين بين الشركات سيستمر على المدى القريب، مما يجعل السوق أكثر حساسية لنتائج الشركات الكبرى خصوصاً في قطاع التكنولوجيا الذي يقود النمو.
كما و تبقى التطورات التجارية مع الصين عاملاً ضاغطاً على معنويات المستثمرين. ورغم التقدم الملحوظ في المحادثات مع اليابان والاتحاد الأوروبي، إلا أن التوتر مع بكين يبقى مفتوحاً على جميع الاحتمالات مع اقتراب الموعد النهائي الذي حدده الرئيس ترامب لفرض رسوم جمركية أوسع. وفي تقديري، أي تصعيد في الحرب التجارية سيؤدي إلى موجة بيع جديدة في الأسواق، في حين أن أي تمديد أو اتفاق مبدئي سيعطي دفعة مؤقتة للأسهم، لكن الأسواق تحتاج إلى رؤية اتفاق شامل ومستدام قبل العودة إلى مستويات تفاؤلية قوية.
خاصة بعد أن دخل مؤشر ستاندرد آند بورز 500 في مرحلة تصحيح طبيعي بعد أن لامس مستويات قياسية جديدة. فضغط البيع في الساعة الأخيرة من جلسة الثلاثاء الذي دفع المؤشر إلى أدنى مستوى له خلال اليوم يشير إلى ضعف القوة الشرائية على المدى القصير.
وبالنظر إلى مؤشر ناسداك المركب الذي يقوده قطاع التكنولوجيا، فقد شهد هو الآخر تراجعاً بنسبة 0.38% رغم أنه لامس مستويات تاريخية جديدة في وقت سابق من اليوم. وما زالت أسهم التكنولوجيا الكبرى مثل أبل ومايكروسوفت وأمازون في الواجهة مع ترقب نتائجها خلال الأسبوع، والتي سيكون لها تأثير حاسم على اتجاه السوق. وبرأيي، أداء هذه الشركات سيكون مفصلياً، حيث يمكن أن يقود موجة ارتداد قوية إذا جاءت الأرباح والتوجيهات المستقبلية إيجابية، لكن في حال جاءت النتائج دون التوقعات، قد ندخل في تصحيح أوسع يمتد إلى المستويات الرئيسية الأخرى.
ومن وجهة نظري، السوق الأمريكي يقف حالياً عند مفترق طرق بين استمرار موجة الصعود المدفوعة بالتوقعات الإيجابية لأرباح الشركات وبقاء السياسة النقدية دون تغيير، وبين سيناريو آخر يتمثل في تصحيح أوسع إذا جاءت تصريحات الفيدرالي حذرة أو سلبية بشأن النمو الاقتصادي. وأرى أننا مقبلون على فترة من التقلبات الحادة على المدى القصير، مع ميل طفيف نحو الهبوط، لكن الاتجاه الصاعد على المدى الطويل لا يزال قائماً طالما لم تظهر مؤشرات انكماش اقتصادي حاد أو تصعيد تجاري كبير.
وعليه، يمكنني القول أن المستثمرين بحاجة إلى إدارة المخاطر بحذر خلال الأيام المقبلة، مع التركيز على الأسهم الدفاعية والشركات التي تظهر مرونة في تحقيق الأرباح وسط التحديات الراهنة. وفي الوقت نفسه، مراقبة تصريحات الفيدرالي ونتائج الشركات التكنولوجية الكبرى سيكونان العنصرين الحاسمين في تحديد ما إذا كان ستاندرد آند بورز 500 سيستعيد مساره الصاعد أم يدخل في موجة تصحيح أعمق خلال الفترة القادمة.
التحليل الفني لـ ستاندرد أند بورز 500 ( S&P500):
يشهد مؤشر ستاندرد آند بورز 500 استمراراً في الاتجاه الصاعد على الإطار الزمني اليومي، حيث سجل قمماً وقيعاناً متتالية أعلى منذ منتصف العام، مما يعكس هيمنة الزخم الشرائي على الحركة السعرية. ويظهر على الرسم البياني لأربع ساعات تشكّل قناة صاعدة واضحة، حيث يتحرك المؤشر بالقرب من مستويات المقاومة النفسية عند 6,380 – 6,400 نقطة، مما يشير إلى اقتراب السوق من منطقة قمة فنية مهمة قد تدفع إلى عمليات جني أرباح قصيرة المدى.
أما المؤشرات الفنية، فيظهر مؤشرStochastic خروج من منطقة تشبع شرائي واضحة بعد ان وصل عند مستوى 87%، وهو ما يزيد احتمالية حدوث حركة تصحيحية نحو مستويات دعم أقرب عند 6,200 نقطة، بينما يمثل المتوسط المتحرك طويل المدى حول 5,973 نقطة دعماً محورياً يحافظ على هيكل الاتجاه الصاعد. كذلك، يلاحظ ضعف في أحجام التداول مع اقتراب السعر من المقاومة، مما يعزز سيناريو التراجع المؤقت قبل أي محاولة اختراق جديدة.
وبشكل عام، يبقى الاتجاه العام للمؤشر إيجابياً على المدى المتوسط إلى الطويل طالما حافظ على التداول أعلى مستوى 6,000 نقطة، إلا أن الارتفاع السريع الأخير يضع المؤشر في وضع مهيأ للتصحيح قصير الأجل. وفي حال تمكن السوق من اختراق المقاومة عند 6,400 نقطة بإغلاق يومي قوي، فقد يدعم ذلك الارتفاع نحو قمم جديدة، بينما أي فشل في تجاوزها قد يؤدي إلى حركة هبوطية تصحيحية عميقة نحو مناطق الدعم المهمة أهمها وأعمقها المنطقة الذهبية عند 5516 – 5350 قبل استئناف المسار الصاعد.