قراءة في مستقبل الذهب (XAUUSD): إلى أين يتجه بين ضبابية النمو الأميركي وانفتاح باول على خفض الفائدة؟

0

المنبر التونسي (قراءة في مستقبل الذهب) – تراجعت أسعار الذهب إلى حدود 3,360 دولارًا للأونصة في مطلع الأسبوع، مدفوعة بعودة الدولار كملاذ آمن تقليدي في ظل ضبابية المشهد الاقتصادي العالمي. لكن هذا التراجع، في تقديري، ليس سوى انعكاس لحركة تصحيحية مرتبطة بجني الأرباح أكثر من كونه تحولًا هيكليًا في اتجاه الذهب. فما زالت الأرضية الأساسية التي تدعم المعدن النفيس قائمة، سواء من زاوية السياسة النقدية الأميركية أو من زاوية المخاطر الجيوسياسية العالمية، وهو ما يجعل الذهب أقرب إلى إعادة اختبار مستويات أعلى مع كل تراجع محدود.

وتصريحات جيروم باول الأخيرة في ندوة جاكسون هول عززت هذا السيناريو. فالرجل لم يكتفِ بالإشارة إلى احتمال خفض أسعار الفائدة في سبتمبر، بل أضفى على خطابه بُعدًا تيسيريًا واضحًا حين تحدث عن تزايد المخاطر السلبية في سوق العمل وتباطؤ الإنفاق الاستهلاكي. وهنا تحديدًا تتضح المفارقة: فالفيدرالي يحاول طمأنة الأسواق بمرونة في سياسته النقدية، لكنه في الوقت ذاته يعترف بتحديات قد تهدد النمو. وبالنسبة للذهب، هذا الخطاب يصب في مصلحته لأنه يقلل من تكلفة الفرصة البديلة لحيازته، ويعيد ترسيخ صورته كأداة تحوط في مواجهة هشاشة النمو.

ومع ذلك، لا يمكن إغفال جانب التضخم الذي يظل المعضلة الأكبر أمام باول وزملائه. فإذا استمر التضخم في التماسك عند مستويات أعلى من 2% المستهدفة، فإن خفض الفائدة قد يتأجل أو يُنفذ بوتيرة أكثر حذرًا مما تتوقعه الأسواق. برأيي، هذا السيناريو لن يضر الذهب بالضرورة، لأن استمرار التضخم عند مستويات مرتفعة سيبقي الطلب على الأصول الملموسة، وعلى رأسها الذهب، قائمًا. لكن على المدى القصير، أي مفاجأة صعودية في مؤشرات الأسعار قد تمنح الدولار دفعة مؤقتة وتضغط على المعدن الأصفر.

والعامل الجيوسياسي بدوره يظل محددًا لا يقل أهمية عن السياسة النقدية. والتوترات المستمرة بين روسيا وأوكرانيا عادت لتشعل المخاوف بعد سلسلة هجمات بالطائرات المسيّرة استهدفت منشآت طاقة روسية وأثارت قلقًا من خطر امتداد التصعيد إلى البنية التحتية النووية. وخطاب الرئيس الأوكراني زيلينسكي عن “النضال المستمر مهما طال الزمن” يزيد القناعة بأن الأزمة بعيدة عن أي حل قريب. وتاريخيًا، كلما تصاعدت التوترات في بؤر حساسة، ازداد بريق الذهب باعتباره ملاذًا من عدم اليقين. وبالتالي فإن أي تصعيد إضافي قد يُشكل وقودًا إضافيًا لتجاوز مستوى 3,400 وربما اختبار قمم أعلى في المدى المتوسط.

وفي المقابل، هناك محدد اقتصادي داخلي يراقبه المتداولون عن كثب: فالقراءة الأولية للناتج المحلي الإجمالي الأميركي للربع الثاني. التوقعات تشير إلى نمو بنسبة 3%، وهو معدل يعكس استمرار متانة الاقتصاد رغم التشديد النقدي السابق. وإذا جاءت البيانات أقوى من المتوقع، فسيعزز ذلك الدولار ويضغط على الذهب لحظيًا. أما إذا جاءت أقل من التوقعات، فستتضاعف رهانات خفض الفائدة ويستفيد الذهب مباشرة. ومن وجهة نظري، حتى في حال المفاجأة الإيجابية للنمو، فإن التأثير على الذهب سيظل محدودًا لأن الأسواق تميل اليوم إلى التركيز على مسار السياسة النقدية أكثر من قراءة فصلية للنمو.

وما يلفت النظر هو الانقسام داخل مجلس الاحتياطي الفيدرالي نفسه. تصريحات ألبرتو موسالم من سانت لويس بدت أكثر حذرًا، مؤكدًا أن التضخم لم ينكسر بعد إلى المستوى المستهدف، بينما تحدثت سوزان كولينز من بوسطن عن صلابة الأسس الاقتصادية مع التحذير من أثر الرسوم الجمركية. وهذا التباين يعكس حالة “الانتظار والترقب” داخل الفيدرالي، لكنه يضع الأسواق في موقع من يقرأ الإشارات المتناقضة، وهو ما يزيد من تقلبات الذهب. وتقديري أن هذه الانقسامات ستدعم حالة الضبابية، وهو عنصر يصب تقليديًا في مصلحة الذهب على حساب الدولار.

أما الطلب المادي على الذهب في آسيا يظل ضعيفًا نسبيًا حتى الآن، خاصة في الصين والهند، نتيجة التذبذبات الحادة للأسعار. لكن مع اقتراب المواسم الاحتفالية في الهند واستمرار تحوط المستثمرين الأفراد في الصين من تباطؤ العقار والأسهم، أتوقع عودة تدريجية للطلب الفعلي تعزز الاتجاه الصعودي. فعادة ما يكون الطلب المادي هو المحرك الهادئ والثابت الذي يرسخ اتجاهات السوق على المدى الطويل.

وأرى حركة الذهب الأخيرة تُظهر أن كل تراجع يُقابل بمحاولات شراء جديدة. التحرك من 3,330 إلى 3,380 خلال فترة قصيرة بعد خطاب باول دليل واضح على أن المشترين يترقبون فرص الدخول عند الانخفاض. وبرأيي، هذا النمط سيستمر، حيث سيتعامل السوق مع أي تراجع تحت 3,350 كفرصة لبناء مراكز جديدة، في انتظار محفزات أقوى مثل بيانات التضخم أو قرارات الفيدرالي.

وخلاصة القول، إن الذهب يتداول في منطقة حساسة بين مطرقة قوة الدولار وسندان سياسة الفيدرالي، وبين ضبابية النمو الأميركي وتوترات جيوسياسية لا تهدأ. وتوقعاتي تميل إلى أن أي ضغط هبوطي على الذهب سيظل محدودًا ومؤقتًا، في حين أن الاتجاه العام يبقى صعوديًا بدعم من احتمالات خفض الفائدة وتراجع الثقة في النمو العالمي. ومن غير المستبعد أن نشهد الذهب قريبًا في نطاق يتجاوز 3,400–3,450 إذا ما تلاقت العوامل النقدية والجيوسياسية في مسار داعم. وفي كل الأحوال، يظل الذهب في هذه المرحلة تجارة شراء عند الانخفاض أكثر من كونه أصلًا معرضًا لخطر الانهيار.

التحليل الفني لـالذهب (XAUUSD):

يُظهر الرسم البياني للأربع ساعات للذهب تحسناً في الزخم الصعودي بعد ارتداد السعر من منطقة الدعم القوي قرب 3,320 دولار والمتزامنة مع المتوسط المتحرك البسيط لـ 100 يوم. وقد ساعد هذا الارتداد على عودة السعر إلى منطقة “Golden Zone” بين مستويات 0.618 – 0.786 فيبوناتشي، مما يعزز فرص استمرار الحركة الصاعدة على المدى القصير، خاصة مع استقرار مؤشر القوة النسبية (RSI) أعلى مستوى 50، وهو ما يعكس استمرار سيطرة المشترين على الاتجاه في الوقت الراهن.

وفي حال استمر الزخم الشرائي، فإن الذهب سيواجه مقاومة أولية عند 3,379 دولار (قمة يوم الجمعة الماضية)، يليها حاجز نفسي مهم عند 3,400 دولار، والذي في حال اختراقه والثبات أعلاه سيعيد فتح الطريق نحو المقاومة الرئيسية التالية عند 3,430 دولار. حيث يتزامن هذا السيناريو مع احتمالية حدوث تقاطع صاعد بين المتوسط المتحرك لـ 21 يوماً و50 يوماً مما سيمنح المشترين ثقة إضافية ويدفع المزيد من المتداولين لتعزيز مراكز الشراء.

وعلى الجانب الآخر، فإن أي فشل في اختراق منطقة 3,379 – 3,400 دولار قد يدفع السعر للعودة إلى اختبار دعم المتوسطات المتحركة قرب 3,346 دولار. وفي حال الكسر والإغلاق أدناه، سيتأكد ضعف الزخم الصعودي ليفتح المجال أمام هبوطٍ أعمق نحو 3,320 دولار، حيث يظل هذا المستوى خط الدفاع الرئيسي أمام البائعين. أما الكسر والإغلاق المستمر دونه فسيُبطل الميل الإيجابي ويُعيد السيطرة للبائعين على المدى المتوسط.

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

The reCAPTCHA verification period has expired. Please reload the page.