المنبر التونسي (الذهب) – شهد الذهب تصحيحاً طفيفاً بعد بلوغه أعلى مستوياته في عشرين يوماً، ليتداول بالقرب من مستوى 3400 دولار.
وقد ارتبطت القوة الأخيرة للمعدن الأصفر ارتباطاً وثيقاً بميول جيروم باول، رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي، نحو التيسير النقدي كما عكسها في خطابه في جاكسون هول يوم الجمعة الماضي، إلى جانب قرار الرئيس ترامب المفاجئ بإقالة عضو مجلس محافظي الفيدرالي ليزا كوك.
هذا التزامن عزز التوقعات بحدوث تيسير نقدي، وإن بقيت الأسواق حذرة، حيث لا تزال احتمالية خفض الفائدة بمقدار 75 نقطة أساس قبل نهاية العام مسعّرة دون مستوى 40%، وفق CME FedWatch Tool.
ويعكس هذا التقييم الحذر توازناً بين التفاؤل حيال السياسة النقدية الأكثر مرونة، وبين المخاطر المستمرة من أن تؤدي التدخلات السياسية في عمل الفيدرالي إلى زعزعة توقعات التضخم وتقويض مصداقيته.
وقد شدد كبير المعلقين الاقتصاديين في وول ستريت جورنال غريغ إيب على أن تسييس عمل البنك المركزي سيقود على الأرجح إلى تضخم هيكلي أعلى وأكثر تقلباً، وتشويه توقعات الأسواق، وتقويض ثقة المستثمرين باستقلالية الفيدرالي.
بينما ذهبت هيئة التحرير في الصحيفة إلى أبعد من ذلك، إذ شبّهت المخاطر بما شهدته تركيا في عهد أردوغان أو الأزمات المتكررة في الأرجنتين، فضلاً عن ضغوط الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون على رئيس الفيدرالي آرثر بيرنز في سبعينيات القرن الماضي، والتي ساهمت في اندلاع ما يعرف بـ “حقبة التضخم الكبير”.
تتلاقى هذه القراءات عند تحذير جوهري مفاده أن نجاح ترامب في إخضاع الفيدرالي لإرادته قد يفضي إلى تحول جذري في النظام التضخمي بالولايات المتحدة، وهو خطر لم تستوعبه الأسواق بالكامل بعد.
وبالنسبة للذهب، فإن هذا السياق يضيف بعداً هيكلياً أعمق إلى السردية الصعودية: فدوره كأداة تحوّط يعزز ليس فقط عبر توقعات التيسير الدوري، بل كذلك بفعل شبح الهشاشة المؤسسية طويلة الأمد في الحوكمة النقدية الأميركية.
هذا التوتر بين الارتياح الدوري والمخاطر الهيكلية يجد صداه أيضاً في أسواق الأسهم. فقد أظهرت نتائج أرباح إنفيديا الأخيرة مبيعات قياسية، لكنها فشلت في الحفاظ على الزخم المفرط للأرباع السابقة، إذ جاءت إيرادات مراكز البيانات ـ وهي النشاط الأساسي للشركة ـ دون توقعات المحللين للربع الثاني على التوالي، فيما اعتُبرت التوجيهات المستقبلية للشركة أقل من التطلعات. وقد أدى ذلك إلى تراجع أسهمها بنحو 3%.
يضاف إلى ذلك عامل الضبابية الجيوسياسية، مع خسائر بلغت 4 مليارات دولار جراء تعليق مبيعات شرائح H20 في الصين، وعدم توقع أي إيرادات جديدة من هذا الخط في الربع القادم. كما أن استمرار التوترات التجارية بين واشنطن وبكين يترك آفاق نمو إنفيديا غامضة، ليبرز كيف أن القوى السياسية تعيد تشكيل مسارات الشركات تماماً كما تعيد تشكيل السياسة النقدية.
وقد تراجعت أسهم إنفيديا في بورصة XETRA الألمانية بأكثر من 2% اليوم، مما أثار المخاوف من أن يفتتح تداولها في نيويورك على انخفاض قد يشعل موجة هبوط أوسع في الأسواق. ورغم أن مثل هذا الضعف قد يُنظر إليه بديهياً كعامل داعم للذهب، فإن أي هبوط حاد قد يطلق في المقابل موجات من التسييل واستدعاءات الهامش. وهذا الديناميك قد يفرض تصفية مراكز الذهب نفسها، ليفضي إلى تصحيح أعمق في أسعار المعدن الثمين.