منبر حرّ : ” أعطونا ” تنشئة سليمة..، ” لن نعطيكم ” إرهابا !

0

منبر حرّ بقلم خميس العرفاوي – صراحة..، كم يستفزني شخصيا الحديث ب“إستغراب”، يتقاطع مع “الإنبهار” في نقطة ما، عن تفوق في التكنولوجيا التطبيقية أو في الإعلامية..أو غير ذلك من الإختصاصات العلمية، عند عرض ” السيرة الذاتية “ لأحد الإرهابيين بعد أن نفذ أو قاد أو هندس إحدى العمليات الإرهابية الشنيعة !
فلا هذا يمنع ذلك..، ولا ذلك يسبب هذا !

يعني لا علاقة سببية مباشرة بين “التفوق” الدراسي “العلمي” وعملية “صناعة” الإرهابي بل، ربما، بالعكس فإن الإختصاصات العلمية الدقيقة مثلت، في حالات عديدة جدا، إحدى المكونات “الكيميائية” لصناعة الإرهابيين، “القنابل البشرية” الموقوتة التي تفزع عديد البلدان الآن. ولكم في “أشهر” المتطرفين والإرهابيين وفي الجامعات والكليات التي “تخرجهم” أبرز الأمثلة منذ عشريات من السنين، مع إحترامنا للعلوم بكل إخصاصاتها، ومختصيها.

وهنا يبدو من الضروري التأكيد، على أنه بالتوازي مع الحرب “الحامية وطيسها”، والتي ستقضي على الإرهاب لامحالة إنتصارا لمدنية الدولة والمجتمع، يجب أن يتوجه البحث في “العلة” و“بنتها” أيضا، إلى كل تفاصيل التنشئة الإجتماعية، ولاسيما التربوية، التي أنتجت هذا “الغول” حتى نقي شره كل أبناءنا وأبناء أبناءنا.

لن أذكر بالظروف والأوساط الإجتماعية المتدهورة والرثة للقضقاضي والرزقي مرورا بعشرات الإرهابيين، والتي تمثل أرضية “صنعهم” كإرهابيين دون أن تبرر “صنيعهم”، طبعا. ولكن الأكيد أنه إضافة لذلك المعطى الموضوعي فإن “المادة الشخمة”، العبارة المحبذة لبورقيبة، غير المحصنة بالتفكير النقدي وثقافة قبول الأخر التي ترفض الإنغلاق والتطرف وثقافة الموت ..، أنجع الأسلحة ضد الإرهاب والتطرف مهما كان نوعه أوصنفه أوجنسه أوعقيدته.

أستحضر هنا..، دروس الفلسفة والتدرب على التحليل النقدي والرأي والرأي المخالف، منذ سنوات الدراسة الأولى. أستحضر أشرطة يوسف شاهين وصلاح أبوسيف والأخضر حامينه.. وغيرها من الأشرطة الأخرى العربية ومن كل قارات العالم التي نناقشها بعد مشاهدنها في نوادي السنما المدرسية. أستحضر المسرح المدرسي ونوادي الموسيقى وروعة “بين المعاهد” والمباريات الرياضية المدرسية عشية كل يوم جمعة في رحاب المؤسسات التربوية.

أستحضر نوادي الفكر والقصة والأدب المدرسية ومناقشة نصوص المعري والعقاد والغزالي والمسعدي والطاهر الحداد وحنا مينه ومحمد شكري وماكسيم غوركي وغابريال غارسيا ماركيز ..، وأشعار المتنبي والشابي ومحمود درويش وبودلير…وغيرهم.

أستحضر أيضا، يومنا الأول في المدرسة عندما أجلسنا “سيدي” سليمان معلمنا التونسي، وليس “سيد” مسلسل “حريم السلطان”..!، أجلسنا عنوة، طفل بجانب طفلة على نفس المقعد المدرسي ولم نكن نعي حينها أن في ذلك، حكمة أساسية، تؤسس وتنصهر وتتناسق مع ثقافة الدولة المدنية والمشروع المجتمعي المدني المتكامل..، الذي يواجه الآن، وبضراوة، “مشروعهم” المتخلف وسيلفظه بالضرورة .

“أعطونا” تنشئة سليمة..، “لن نعطيكم “إرهابا” !

بقلم خميس العرفاوي “الصحافة اليوم”8 جويلية 2015

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

The reCAPTCHA verification period has expired. Please reload the page.