خطاب إيمانويل ماكرون خلال حفل تنصيبه

0

المنبر التونسي (ايمانويل ماكرون) – السيدات والسادة الكرام،

لقد اختار الفرنسيون، كما ذَكرت، في 7 أيار/مايو الماضي، الأملَ وروح الظفروالفتوحات.

تابع العالم بأسرة انتخاباتنا الرئاسية. وتساءل الجميع عما إذا كان الفرنسيون سيختارون بدورهم الانزواء داخلالماضي الوهمي والقطيعة مع المسيرة العالمية ومغادرة ساحة التاريخ والتسليم بالتشكيك في الديمقراطية وروح الانقسام والتخلي عن فكر التنوير، أم أنهم على العكس من ذلك، سيختارون المستقبل وتحقيق وثبة جماعية جديدة والتأكيد على إيمانهم بالقيم التي جعلت منهم شعباً عظيماً.

في يوم السابع من أيار/مايو عبر الفرنسيون عن خيارهم، وأشكرهم على ذلك.

المسؤولية التي كلفوني بها هي شرفٌ أقدّر حجمه.

العالم وأوروبا اليوم بحاجة إلى فرنسا أكثر من أي وقت مضى. إنهم بحاجة إلى فرنسا قوية وواثقة في مصيرها. إنهم بحاجة إلى فرنسا ترفع عالياً صوت الحرية والتضامن.إنهم بحاجة إلى فرنسا تعرف كيف تبدع المستقبل.

العالم بحاجة إلى ما قدمه له الفرنسيون والفرنسيات دائماً وأبداً: جرأة الحرية ومطلب المساواة وإرادة الأخوة.

ولكن فرنسا ومنذ عقود أخذت تشك بنفسها. وتشعر بأنها مهددة في ثقافتها وفي نموذجها الاجتماعي وفي قناعاتها العميقة. وتشك في العناصر التي صاغت وجودها.

لذلك ستهتدي ولايتي الرئاسية بمطلبين إثنين.

يتمثل المطلب الأول في إعادة ثقة الفرنسيين بأنفسهم، هذه الثقة التي تعاني من الضعف والوهن من فترة طويلة. وأؤكد لكم بأنني لم أتصور ولو للحظة بأن هذه الثقة ستستعاد بعضا سحرية عشية 7 أيار/مايو. وسيحتاج الأمر إلى عمل دؤوب وصارم ولكنه ضروري.

يقع على عاتقي إقناع الفرنسيين والفرنسيات بأن بلدنا، الذي يبدو أنه يعاني في مهب رياح العالم العاتية وأحيانا المتضاربة، يحمل بين ثناياه كل الموارد التي تتيح له أن يكون في طليعة الأمم.

سأقنع مواطنينا بأن قوة فرنسا ليست في أفول، بل أننا على أعتاب نهضة رائعة لأننا نمتلك بين أيدينا جميع المزايا التي ستصنع وتصنع فعلاً القوى العظمى في القرن الحادي والعشرين.

لذا، لن أتنازل عن أي تعهد من التعهدات التي قُدمت إلى الفرنسيين. كل ما من شأنه تعزيز قوة فرنسا وازدهارها سيتم تنفيذه: سيتم تحرير العمل، ودعم الشركات وتشجيع روح المبادرة.

الثقافة والتربية، وهما أساس التحرر والإبداع والابتكار، ستكونان في صميم عملي.

ينبغي حماية الفرنسيين والفرنسيات الذين يشعرون بأنهم منسيون في خضم هذه الحركة العالمية الواسعة بصورة أفضل. سيتم توطيد واجتراح وتقوية كل ما من شأنه تعزيز تضامننا الوطني. وسيتم تعزيز المساواة إزاء حوادث الحياة.

وسيتم تعزيز كل ما من شأنه أن يجعل من فرنسا بلداً آمناً نعيش فيه دون خوف. وسيتم الدفاع عن العلمانية الجمهورية وتعزيز قواتنا الأمنية واستخباراتنا وقواتنا المسلحة.

وإن أوروبا التي نحتاج، سيتم إعادة تأسيسها وإطلاقها لأنها تحمينا وتتيح لنا الدفاع عن قيمنا في العالم.

وعلى مؤسساتنا، التي ينتقدها البعض بشدة، أن تستعيد لدى الفرنسيين فعاليتها لضمان ديمومتها. أنا أومن بمؤسسات الجمهورية الخامسة وٍسأعمل بكل ما أوتيت من سلطة لتعمل هذه المؤسسات بالروح التي شهدت نشأتها. لذا، سأحرص على إنعاش الحيوية الديمقراطية في بلدنا. سيكون للمواطنين صوت. وسيتم الاستماع إليهم.

سأحتاج إلى الجميعفي هذه المعركة.سيتم الدعوة إلى مسؤولية جميع النخب، السياسية والاقتصادية والاجتماعية والدينية، ومسؤولية الأسلاك والهيئات المكونة للأمة الفرنسية. لا يمكننا بعد الآن أن نختبئ خلف عادات وممارسات بالية. علينا أن نستعيد المعنى العميق والكرامة إزاء ما يجمع بيننا اليوم: العمل بصورة عادلة وفعاّلة من أجل شعبنا.

لا تكون فرنسا قوية إلا إذا كانت مزدهرة. ولا تكون فرنسا نموذجاً إلا إذا كانت مثالية.

وهنا يأتي دور المطلب الثاني.

فعندما نعيد طعم المستقبل للفرنسيينواعتزازهم بأنفسهم، سيصغي العالم كله آنذاك إلى صوت فرنسا.

وعندما نعرف كيف نتجاوز معاً المخاوف والقلق، سنقدم معاً آنذاك المثال والقدوة كشعب يعرف كيف يؤكد على قيمه ومبادئه المتعلقة بالديمقراطية والجمهورية.

وكانت الجهود التي بذلها أولئك الذين سبقوني إلى هذا المنصب في هذا المجال رائعة وأريد في هذا المقام أن أحييهم.

وأعني شارل ديغول الذي عمل على نهوض فرنسا واستعادتها لمكانتها بين الأمم. و جورج بومبيدو الذي حوّل فرنسا إلى قوة صناعية كبرى. وفاليري جيسكار دستان الذي عرف كيف يدخل فرنسا ومجتمعها إلى عصر الحداثة. وفرانسوا ميتران الذي واكب مصالحة الحلم الفرنسي بالحلم الأوروبي. وجاك شيراك الذي رفعنا إلى مستوى أمة تعرف كيف تقف في وجه ادعاءات هواة الحرب. ونيكولا ساركوزي الذي لم يدخر طاقة لحل الأزمة المالية التي ضربت العالم بعنف شديد. وفرانسوا هولاند، طبعاً، الذي عمل ومهّد لاتفاق باريس بشأن المناخ وحمى الفرنسيين في عالم يستهدفه الإرهاب.

ولقد واجهت جهودهم ولا سيما في العقود الماضية أجواء داخلية ضارة تتمثل بقنوط الفرنسيين والفرنسيات لشعورهم بالتهميش والتراجع الاجتماعي والنسيان بصورة ظالمة. وبالتالي، عانى الخطاب الفرنسي الموجه إلى العالم في بعض الأحيان من الضعف وذلك بسبب الوضع الداخلي المشلول بسبب القلق وحتى التشكيك.

أيها السيدات والسادة، آن الأوان لفرنسا كي ترتقي إلى مستوى التحديات الراهنة. ينبغي تجاوز الانقسامات والتصدعات التي يعاني منها مجتمعنا، سواء أكانت اقتصادية أم اجتماعية أم سياسية أم أخلاقية، لأن العالم يتطلع إلينا لكي نتحلى بالقوة والمتانة والبصيرة.

مهمةُ فرنسا في العالم مهمة بارزة. وسنتحمل مسؤولياتنا الكاملة كلما اقتضى الأمر ذلك من أجل تقديم إجابة ملائمة للأزمات الكبرى المعاصرة. سواء تعلق الأمر بأزمة المهاجرين أم التحدي المناخي أم التجاوزات السلطوية ام تجاوزات الرأسمالية العالمية أم بطبيعة الحال الإرهاب، لا يمكن بعد الآن لأحدٍ أن يبقى بمنأى عما ما يصيب الآخرين. كلنا مترابطون. كلنا جيران.

ستحرص فرنسا دائماً على الوقوف إلى جانب الحرية وحقوق الإنسان من أجل العمل دائماً لبناء السلام الدائم.

يقع على عاتقنا دور عظيم: تصحيح اختلالات العالم والحرص على الدفاع عن الحرية. هذا هوا قدرنا. لتحقيق هذه الغاية، سنحتاج إلى أوروبا أكثر فعالية وديمقراطية وسياسية، لأنها أداة قوتنا وسيادتنا. وسأعمل على ذلك.

تقلصت الجغرافية كثيراً ولكن الزمن تسارع. إننا نعيش في مرحلة ستحدد مصير فرنسا للعقود القادمة. وإننا لا نناضل من أجل هذا الجيل فحسب بل من أجل الأجيال المقبلة أيضاً.يقع على عاتقنا جميعاً، هنا والآن، أن نقرر بشأن العالم الذي ستعيش فيه هذه الأجيال. هذه هي ربما مسؤوليتنا الكبرى.

 

 

علينا بناء العالم الذي يستحقه شبابنا.

أعرف أن الفرنسيين والفرنسيات ينتظرون مني الكثير في هذه اللحظة. إنهم على حق في ذلك، لأن الولاية الرئاسية التي كلفوني بها تمنحهم الحق بممارسة صرامة مطلقة عليّ. وإني لأدرك ذلك تماماً.

لن يتم التخلي عن أي شيء استسهالاً أو تراضياً. لن يفتر عزمي أمام أي شيء. ولن يمنعني أي شيء من الدفاع عن المصالح العليا لفرنسا في كل مكان وزمان.

وسأتحلى في الوقت نفسه بالإرادة الثابتة للمصالحة بين جميع الفرنسيين ولمّ شملهم.

إن الثقة التي منحني إياها الفرنسيون والفرنسيات تمدني بطاقة هائلة. وتمنحني قناعة راسخة بأننا نستطيع معاً كتابة إحدى أجمل صفحات تاريخنا، وسأهتدي بذلك في عملي.

في مثل هذه اللحظات التي يمكن أن ينقلب فيها كل شيء، يعرف الشعب الفرنسي دائماً كيف يستمد بالطاقة ويتحلى بالقدرة على التمييز وروح الوفاق من أجل بناء التغيير العميق. وها نحن في هذه اللحظة. ومن أجل القيام بهذه المهمة، سأعمل بتواضع على خدمة شعبي.

سأعوّل على جميع مواطني من أجل إنجاز هذه المهمة العظيمة والسامية التي تنتظرنا.

بالنسبة لي، سأكون على رأس عملي اعتباراً من هذه المساء.

تحيا الجمهورية وتحيا فرنسا !

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

The reCAPTCHA verification period has expired. Please reload the page.