كلمة مي الخليل رئيسة جمعية بيروت ماراثون في مؤتمر العدائين – كومار تونس

0

المنبر التونسي (كومار) –  نظمت كومار تونس يوم 2 دسمبر 2017، ندوة صحفية، تحت إشراف ماراثون بيروت، وهو ماراطون يشع على المستوى العالمي من حيث التنظيم وعدد المشاركين في هذه التظاهرة. السيدة مي الخليل رئيسة جمعية بيروت ماراثون ألقت كلمة بهذه المناسبة، كلمة كاني ثرية جدا، وقد ارتأينا أن ننقلها كاملة.

وفي ما يلي كلمة السيدة مي الخليل رئيسة جمعية بيروت ماراثون:

“أيُّها الأخواتُ والأخوة

جئتُ من لبنانَ أحملُ في قلبي تحيّاتِ ومحبّةَ الشعبِ اللبناني إلى شقيقِه الشعبِ التونسي.

وأحملُ في يدي غصنَ الزيتونِ الأخضرِ من لبنانَ الأخضر إلى تونس الخضراء رمزَ الحياةِ والعطاء.

جئتُ لأسردَ قصّةَ ماراثونِ بيروت، هذه القصّةُ التي بدأتْ فصولُها المثيرةُ منذ العام 2003 حيثُ احتفلنا هذا العامَ بمرورِ 15 سنة على انطلاقِ أولِ نُسخةٍ من السباقِ في هذا التاريخ.

والملفتُ أنّهُ قبلَ هذا التاريخ لم تكنْ كلمةُ ” ماراثون ” متداولة في القاموسِ الإعلامي اللبناني ولم تكنْ تلك الثقافةُ الرياضية موجودةً في لبنان، وقد عمَلنا على تعميمِها واستطعنا أنْ نعملَ في أن يكونَ الركضُ لأجلِ قضيةٍ وأن تكونَ كلمةُ «ركض» رمزاً ومدخلاً لوحدةِ اللبنانيين تحتَ شعارِ ” السلامِ والرياضة “.

لقد عانى وطني لبنان على مدى عشراتِ السنواتِ من ويلاتِ وتداعياتِ الحربِ الأهليةِ التي اندلعت عام 1975 ونحنُ ما زلنا نواجهُ العديدَ من التحدّياتِ لكننا أصبحْنا نملكُ المناعةَ ضد آثارِ الحروبِ والأزماتِ الإقتصاديةِ والإغتيالاتِ السياسيّة.

إنَّ سباقَ ماراثون بيروت استطاعَ أنْ يفرضَ ذاتَهُ ضمنَ المعادلةِ الرياضيةِ اللبنانيةِ منذُ انطلاقتِه مع تسجيلِ نجاحاتٍ عاماً بعدَ عام رغمَ الظروفِ والتحدّياتِ والمستجدّاتِ السياسيةِ والأمنيةِ والإقتصادية.

لقد طُرِحَ علينا الكثيرُ من الأسئلةِ والهواجس من قِبلِ المواطنينَ حيال طبيعةِ نشاطاتِنا في جمعيةِ بيروت ماراثون ومن نماذجِ هذه الأسئلة:

هل يستطيعُ الماراثون أن يعملَ على تغييرِ الطباع ؟

هل رياضةُ الركضِ قادرة أن تبنيَ أسسَ مجتمعٍ موحّدٍ ؟

هل يُمكنُ تحقيقَ السلامِ الداخلي والأملِ وراحةِ البال؟

للحقيقةِ، الأجوبة على هذه الأسئلةِ يمكنُ أن تكونَ من خلالِ تجربتي الشخصيّةِ على صعيدِ الحادثِ الصعبِ الذي تعرّضتُ له في يومٍ ممطرٍ من شهر ديسمبر

( كانون الأول ) عام 2001 حيثُ دهستني شاحنةُ صغيرةُ في أثناءِ التمارينِ مع بعضِ الأصدقاءِ تحضيراً للمشاركة في أحدِ الماراثوناتِ العالميةِ خارجَ لبنان، ودخلتُ على أثرِ الحادثِ في غيبوبةٍ بعدَ أن نزفتُ دماً لمدةٍ طويلةٍ

قبلَ أن أُنقلَ إلى المستشفى حيثُ مكثتُ فيها حوالي السنتين وأجريتُ 36 عمليةً جراحيةً وعشتُ أوجاعاً وآلاماً وهواجسَ حيال عدم قدرتي على المشي مجدّداً لكنَّ هذا الوضعَ واجهتهُ بإيمانٍ وإرادةٍ وإحاطةٍ من عائلتي، ما جعلني أقفُ مجدّداً على أقدامي وأُطلقُ وأنا من على سريري في المستشفى فكرةَ الماراثونِ التي أبصرتِ النورَ وبمساعدةٍ من عائلتي وأصدقاءٍ آمنوا معي وبرسالتي الهادفةِ أيضاً لإعادةِ توحيدِ اللبنانيين الذين فرّقتهم الحربُ الأهلية.

وبعدما كنتُ أقومُ بدورِ الزوجةِ والأمِ الحالمةِ، فجأةً تبدّلَ الموقفُ وصرتُ في عالمٍ آخرٍ هو عالم الرياضةِ والإدارةِ والتسويقِ، وانطلقتُ في جولاتٍ تعريفيةٍ على المناطق اللبنانية من أجلِ الترويجِ لفكرةِ السباقِ، وبدأ الجميعُ يتقبّلُ الفكرةَ وأحبّوها سيما وأنَ الجميعَ كان يرغبُ الخروجَ من أجواءِ الحربِ واعتمادَ ثقافةِ الحياة.

وأذكرُ أنّني قمتُ بزيارةِ 240 منطقةٍ خلالَ 4 أسابيع حيثُ التقيتُ بأطرافٍ عدةٍ واستمعتُ لآرائِهم واقتراحاتِهم، وأذكرُ أنَ الجميعَ تأثَروا بقصّتي وتوافقنا بأنَ لبنان يُمكنُ أن يستعيدَ وحدتَه من خلالِ الرياضةِ والحدثِ الماراثوني تحديداً، وبالتالي إحداثَ التغييرِ على صعيدِ المجتمع.

عام 2003، في أولِ نسخةٍ من الماراثون، ركضَ 6 آلاف عدّاء وعدّاءة من 12 دولةٍ حول العالمِ وبدأنا رحلةَ السلامِ ومعها التحدّيات وأبرزها عام 2005 عندما استشهِد رئيسُ الحكومةِ آنذاك رفيق الحريري، فأقمْنا سباقاً لمسافةِ 5 كلم تحت شعار”نركضُ لأجلِ السلامِ ” وشاركَ فيه أكثرُ من 60 ألف مواطنٍ ومواطنةٍ إضافة لجنسياتٍ أخرى عربيةٍ وأجنبيةٍ، وارتدى الجميعُ قمصاناً بيضاءَ عنوان السلامِ، ولم تكنْ هناكَ أيُ شعاراتٍ سياسية.

لقد كانت هذه المحطةُ نقطةَ تحوّلٍ بحيث أصبحَ ماراثون بيروت منصّةً للسلامِ والوحدةِ، لأنَ الركضَ كان لأجلِ الوطنِ لبنان، ومع الوقتِ تنوّعتِ الأفكارُ والنشاطاتُ حيثُ أطلقنا في العام 2013 سباقاً في الركضِ للسيّداتِ انطلاقاً من أهمّيةِ دورِ المرأةِ والتحدّيات التي تواجهُها ومنها العنف الأسري والزواج المبكر، وكانت شراكةُ وتعاونُ مع العديدِ من الجمعياتِ النسائيةِ وبلغَ عددُ المشارِكات 6650 سيدةٍ ووجّهنا الدعوةَ للرجالِ ليكونوا على جانبي مسارِ السباقِ لتشجيعِ المرأةِ اللبنانيةِ والرياضيةِ خصوصاً سيما وأنَ الرجلَ شريكُ المرأة.

واللافتُ أنَنا لم نتوقّفْ عندَ هذا الواقعِ حيثُ سمحْنا فيما بعد لمشاركةِ الرجلِ بناءً على طلبِ كثيرين منهم  الذين رأوا أنَ الدعمَ لا يجوزُ أن يقفَ عندَ حدودِ التشجيعِ على جانبي مسارِ السباقِ وإنَما المشاركة في السباقِ عينِه وهكذا كان واعتمدْنا اللباسَ الأبيضَ والزهري.

وهذا العام  أطلقْنا مع سباقِ السيّداتِ حملةَ ” أنا معكِ ” لمزيدٍ من التعبئةِ والدعمِ للمرأةِ وحقوقِها وهي من تجربةٍ لبريطانيا تهدُفُ للتشجيعِ على ممارسةِ الرياضةِ والتمارين ما يساعدُ على معالجةِ المشاكلِ الذهنيةِ والبدانة.

وفي إطارِ الحملةِ الترويجيةِ للسباقِ طلبْنا من نجومٍ ومشاهيرٍ في عالمِ الرياضةِ والفنِ لتشجيعِ السيّداتِ على الركضِ وأن تكونَ الرياضةُ نهجَ حياةٍ يومي.

ولم نغفلْ فئةَ هامّةً وأساسيةً في مجتمعِنا وهي فئةُ الإحتياجاتِ الخاصّةِ الحاضرةِ معنا في كلِ النشاطاتِ حيثُ اعتمدنا في العام 2016 البرنامجَ التدريبي لهذه الفئةِ ويقضي بالدعمِ التقني والبدني حيثُ وزّعنا 11 كرسي متحركة لأصحابِ الحاجاتِ الخاصةِ وخضعوا لبرنامجٍ تدريبي لمدةِ 5 أشهرٍ قبلَ السباقِ وكانت نسختُه الأولى في العاصمةِ بيروت.

وهذا العام كانت النسخةُ الثانيةُ من هذا البرنامجِ، فوُزّعت 11 كرسي إضافية على عددٍ من أبطالِ وبطلاتِ هذه الفئةِ وتحديداً في مدينة طرابلس شمال لبنان، وكان البرنامجُ التدريبي أيضاً من قبلِ جهازٍ كفؤ وجديرٍ، وبالفعلِ أمكنَ لهؤلاءِ تسجيلَ أرقامٍ متقدّمةٍ في سباقِ ماراثون هذا العام.

وعندما يُسألُ هؤلاء ومنهم إيلي وحسين وجورج وماري نويل عن رأيِهم بهذا البرنامجِ كانوا يُجمِعونَ على أنَه استطاعَ أن يُغيّرَ حياتَهم ويزيدُهم ثقةً في أنفسِهم وكذلك نظرةَ الآخرين لهم، كما فتحَ لهم فرصةَ الحلمِ بالوصولِ إلى الألعابِ البارالمبيّة.

ولأنَ خطتَنا اليوم سقفُها العام 2020 أي الألعاب الأولمبية في طوكيو فقد بدأنا مرحلةَ الإعدادِ لجيلٍ من العدّائين الشباب لركضِ مسافةِ الماراثون عبر البرنامجِ التدريبي 542، هذا البرنامجُ الذي ينضوي تحتَ رايتِه مئاتُ الشبابِ والشاباتِ ممّن يملكون إرادةَ ركضِ مسافةِ الماراثون لأولِ مرّةٍ، وقد كشفَ البرنامجُ عن طاقاتٍ خلاقةٍ واستطاعَ أن يكسرَ الرهبةَ والخوفَ لدى هؤلاء عبرَ تمارين إسبوعية ولمدّة 4 أشهرٍ قبلَ السباقِ إضافةً لتنامي الشغف ِوالحماسةِ للوصولِ إلى خطِ النهايةِ للسباق.

وبلغةِ الأرقامِ، 97 بالمئة من المنضوين للبرنامجِ التدريبي 542 أصبحوا يشاركون في سباقِ الماراثون، وهذا العام من بين 258 عدّاء وعدّاءة اجتازَ 160 خطَ الوصول.

ربيع جمّال واحدُ من المشاركينَ في هذا البرنامجِ والذين يجسّدون صورةً ولا أروعَ في مجالِ تحدّي إعاقةِ البصرِ حيثُ ركضَ الماراثون هذا العام بمعاونةِ صديقتِه ماري قليعاني وأثبتَ أنَ الرياضةَ قادرةُ على التأثيرِ في المجتمعاتِ والأفراد.

تبرّع بحذائك:

وهيّي فكرة لتعزيز التكافل المجتمعي، من خلال التبرّع بالحذاء الرياضي لآخرين محتاجين…

اللي بدّي قولو: حقّنا نحلم، نعيش بسلام، نتأمّل، ونسمع لبعض بشفافيّة ومصداقيّة، ولا بد ما يوم ولو كان بعيد نحقّق أحلامنا …

47859 عدّاء وعدّاءة شاركوا في سباق بلوم بيروت ماراثون 2017 من 105 دولٍ حول العالم والذي كان شعارُه: ” 15 سنة ورح نضلّ نركض “.

180 منظّمة غيرحكومية شاركت لنشرِ قضاياها ولجمعِ تبرّعاتٍ من الحسوماتِ على رسومِ التسجيلِ حيث جمعت 1,3 مليون دولار.

كذلك فإنَ كلفةَ التنظيمِ للسباقِ تصلُ إلى 1,7 مليون دولار وهذا ما يشكّلُ رافداً للدورةِ الإقتصاديةِ تصلُ أرقامُها إلى 13 مليون دولار سنوياً أي ما نسبته 764 بالمئةِ من الناتجِ العام، كما أنَه وفّرَ 1186 فرصةَ عملٍ للشبابِ، هذا دون التخفيضِ الذي يتحققُ في أرقامِ الفاتورةِ الصحّيةِ حيث أنَ الرياضةَ مدخلُ للصحةِ والعافية.

أخيراً، إنّ صناعةَ السلامِ مرتبطةُ بالنشاطِ الماراثوني والتغييرُ لا بدَ أن يبدأَ من الداخلِ ونحن لا نتوقّعُ إحداثَ التغييرِ بين ليلةٍ وضحاها حيث من الضرورةِ التزامِ الصبرِ وتوفّرِ الإرادةِ والقوّةِ لإنهاءِ مسافةِ السباق.

إنّ الروحَ الإنسانيةَ قادرةُ

بالتالي نحن قادرون

شكراً لكم إتاحةَ الفرصةِ أن أتشاركَ معكم هذه التجربةَ مع ما أحملُ من رغبةٍ ليكونَ هناك تعاونُ مع المعنيين لدى الجانبِ التونسي وبذلك نضيفُ إلى بناءِ رياضتِنا العربيةِ مدماكاً آخراً مع تمنياتٍ بمزيدٍ من النجاحاتِ ومزيدٍ من الأبطالِ والبطلاتِ العربِ الذين تليقُ بهم منصّاتُ التتويج“.

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

The reCAPTCHA verification period has expired. Please reload the page.