مور في تأبين الفقيد قايد السبسي: “يا باجي يا بجبوج ناديتك لكنك اليوم لا تجيب”

0

المنبر التونسي(مورو) – قال عبد الفتاح مورو رئيس مجلس نواب الشعب بالنيابة في الجلسة العامة المخصصة لتأبين رئيس الجمهورية الراحل المرحوم الباجي قائد السبسي، “عرفناك محاورا ، هاشّا باشّا في وجوه اللذين يكلّمونك ، لكنك اليوم لا تجيب..”.
وفي ما يلي كلمة عبد الفتاح مورو:
يا باجي، يا سي الباجي ، يا بجبوج، يا أستاذ الباجي، يا سيد الرئيس ،
ناديتك بالألقاب التي أعلمها والتي تنادى بها كامل حياتك ، ولكنك على خلاف العادة لا تجيب. عرفناك محاورا ، هاشّا باشّا في وجوه اللذين يكلّمونك ، لكنك اليوم لا تجيب. هل أني أخطأت موقع النداء عليك يا باجي؟ .
لا أتصوّر إذ أني أدعوك بالبرلمان وانت عضوا به لست صائبا في إختياري ، ألم تكن رئيس هذا المجلس؟،
يا باجي، أبحث عنك في باب الاقواس ، أبحث عنك في سيدي بوسعيد ، أبحث عنك في نهج القعّادين ، في سوق جزارة، في السوق المسقّف، أبحث عنك في الصادقية، في دي جون ، ابحث عنك في السيربون، أبحث عنك في قصور الملوك . ألست قد عايشت اربعة ملوك ؟
أبحث عنك في قصور الرؤساء. ألست انت الرئيس الرابع؟،
أأأه يا باجي أتعبتني . يا باجي أتعبتني وأتعبت الذين عايشوك . أتعبتنا لا لأنك متعب. وإنّما لأننا لم نستطع ان نحيط بشخصيتك . من أنت يا باجي ؟
أنت سليل المخزن التونسي، أم انت حبيب الفقراء والمساكين، والحمّالة الذين كانوا يجلسون في أوّل نهج القعّادين. انت يا باجي من أبناء “الكارتيه لاتان” أم انت من روّاد العباسية وقهوة الطاهر زرقاء .
يا باجي هل انت ابن الصادقية؟ أم انت الذي يعلم شعر لبيد والحطيئة والنابغة الذبياني، أأنت من قارئي “مونتسكيو”
أم انت تلميذ الحبيب بورقيبة ؟ نعم انت كنت تلميذه ، ولكنك خرجت عليه عشرة أعوام . غادرت الحزب الدستوري، وتفرّغت للدفاع عن الديمقراطية، وكتبت إفتتاحيات عديدة في جرائد المعارضة، كانت تقرأ بكل إهتمام .
يا باجي، هل أنت ورقة من صندوق قديم جئ بها ؟ أم أنك منشئ عهد حديث طبعته بطابعك؟
يا باجي أنت رجل الدولة. وأنت الذي حمى الدولة وأنت الذي كان يجري وراء الدولة حتى لا تتفتت الدولة. كل تنقلاتك حفاظا على كيانها إجراء لقدرها، رفعا لهمتها .
دخلت عندما كان الدخول واجبا وخرجت عندما كان الخروج مفروضا . نشهد لك انك كنت رجل الدولة.
ونشهد لك انك ناضلت من أجل حقّ الإنسان في الديمقراطية وحق الفرد في أن يعبّر عن نفسه، وأنت الذي آليت على نفسك ان لا تقمع صحافة تضحك منك. وان لا تمنع قلابس كانت تأخذ صورتك. ولا ان تفسد “سايس خوك” الذي كان يتناولك. لانك آمنت بأن حق الإنسان في التعبير حق مقدس وأن دواليب الدولة التي بين يديك جعلت لتحفظ هذا الحق.
صادقت النهضة، وعاديتها كما كان يفعل كل سياسي. وفرحت وغضبت ومدحت وشتمت لانك تونسي ككل التونسيين. والذين خرجوا لتوديعك كان كل واحد منهم ينظر في كتاب عنوانه تونس يفتّش عن صفحة من صفحات وجهه فيها ويجدها مقترنة بوجهه.
أنت إقترنت بنظام الإستقلال والجمهورية، ودافعت عن الإستقلال والجمهورية. وشعرت ان بناء المؤسس يحتاج إلى تكملة فقمت بها . وكنت بذلك منشئا لا تابعا لأنك لم تجد في إرثه ما يساعدك على إتمام البناء ، فأعدت البناء .
إذا انت يا باجي اليوم شخصية لا نسطيع اللحاق بها. الذين ذكروك من أصدقائك، والذين ذكروك من مخاصميك، والذين وقفوا في الشمس ، يتبعون ظل جنازتك ليسلموا عليك . كان الكثير منهم يسلّم على إختيارات لم يكن لك في الكثير منها ضلع. ولكنك دستوريا تحمّلت مسؤولياتها ولم تهرب وأصررت على ان تبقى حاضرا مع الدولة ومنذ قيامها ولطيلة ستّين عاما لم يفلّ في عضدك لا الذين أبعدوك، ولا الذين سبّوك، ولا المرض الذي تناولك، ولا الشيخوخة التي هدّدتك.
لأنك تؤمن بالقضية ولم تسلم روحك إلا يوم اقترن اسمك بالجمهورية التي دافعت عنها. ليس ذلك من الصدفة، بل ذلك لأنك اردت ان توصينا ووصيتك لنا كانت: “حافظوا على الجمهورية التي بنيناها جميعا” .
نحن على خط الوفاء مع الجمهورية، هي عزّنا هي مجدنا وصيانتها هدفنا. ووسيلتنا في ذلك وحدة صفّنا حتى لا نختلف حول وطننا. وسيلتنا في ذلك ان يبقى رائدنا دائما وأبدا، أن يبقى شعب تونس مستقلا ذا سيادة، وأن لا يتطرق أحد الى قرارنا لا من داخلنا عميلا، ولا من خارجنا متطفّلا .
نعم أنت سددت الثّلم دون أولئك الذين تعوّدوا أن يمرقوا منها للأجسام فينخروها، وللأبنية فيأكلوها. ولكنك صمدت وثبت بقدر ما حافظت على كيان وطنك في فترة الفوضى، وعندما انعدمت المرجعيات وأصبح كل يدّعي وصلا بليلى ، وأصبح كل يدّعي لنفسه مركز الاهتمام الأساسي ، جئت لتقول إن حدودنا هي حدود الدولة، وأرجعتنا الى مكاننا ومن هناك نحن نقيس .
أنت الذي حفظت كيان التجديد والبناء، حفظت لنا أن لا نداس في قرارنا وأن لا يعتدي علينا صاحب مال يفخر بماله، ولا صاحب زهو يفخر بقوّته، لأن الجميع أمامك أصفار مادمت مصلحة الوطن هي المقدّمة .
يا تونس الخير، يا عزّي، ويا تاجي، إني دعوت بقلب المؤمن الرّاجي حزنا ، أعزيك في خطب ألمّ بنا. إذ قبضة الموت مثل المظلم الداجي في القائد الفذّ يوم الشعب ودّعه في وحدة الصف أفواجا بأفواج .
فطن، حكيم، كريم الخلق، ذو أدب، سمح السّجية، دو فهم ومنهاج. قد قدّم العمر إخلاصا لموطنه ، رحم الالاه رئيس بلادنا الباجي .
يا باجي ، أنت تعلم أننا لا نعبد الأحياء، ولا نعبد الأموات. نحن نعبد ربّا واحدا ولدينا قيم واحدة تحدونا .
تعلم يا باجي أن الناس يولدون ليموتوا. إنّك ميت، وإنهم ميّتون، ولكن بعض الناس يموتون ليعيشوا . وأنت من الذين يموتون ليعيشوا، ودليل ذلك أن جوارح القلوب، وجوانح النفوس والأصدقاء، وغيرهم وقفوا لتقديرك وتحيّتك .
ستبقى اثرا، لكنك أثر مؤثّر ، وستبقى في نوفس الذين عرفوك، والذين سيقرؤن عنك. وستبقى في تاريخ الجميع أملا نحو معاصرة قادمة لا محالة، ونحو أمل يرفع كيان الإنسان ويعزّ المرأة والرجل .
لا أقول لك وداعا. فنحن لاحقون، ولكن نقول لك حاسبنا ونحاسبك عند الانجاز لصالح هذا الوطن.

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

The reCAPTCHA verification period has expired. Please reload the page.