ملفات اقتصادية حارقة تلاحق الحكومة الجديدة

0

المنبر التونسي (ملفات اقتصادية حارقة) – تنتظر الحكومة القادمة، التي قالت حركة النهضة الحزب الفائز في الانتخابات التشريعية أنها شرعت في التشاور بشأن تركيبتها، ملفات حارقة وعهدة جديدة مزدحمة بالتحديات الاقتصادية ولا سيما الاستجابة إلى انتظارات التونسيين وخاصة الشباب الطامح إلى الخروج من حصار البطالة.

ونجحت تونس مؤخرا في انتخاب رئيس جديد للبلاد وبرلمان جديد لعهدة بخمس سنوات يعول عليها المواطنون كثيرا للخروج من أوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية الهشة وتحقيق الوعود الانتخابية.

ويرى عدد من خبراء الاقتصاد والأكاديميين أن الملف الاقتصادي سيكون حجر الزاوية للحكومة المقبلة، معتبرين أن القضايا الاقتصادية لم تتغير منذ السنوات الماضية إثر عدم توفق من الحكومات المتعاقبة على حلها على الوجه الاكمل.
ولفتوا في تصريحات ل(وات)إلى أن الحكومة الجديدة سترث ملفات اقتصادية على غاية من الأهمية إلى درجة أن هامش تحركها لن يكون كبيرا، وانه يتعين عليها منذ اليوم الأول الانكباب على حلها.

يكفي إضاعة للوقت

اعتبر الخبير الاقتصادي عز الدين سعيدان أن عديد الملفات الحارقة تنتظر الحكومة الجديدة والتي يستوجب منذ اليوم الأول الانكباب عليها من دون انتظار ال 100 يوم الأولى.

وأفاد بأن أهم تحدي يتمثل في كيفية تنفيذ ميزانية سنة 2020 التي بين أن بناءها غير متوازن لا سيما وان حوالي نصف الميزانية سوف يخصص لأجور الوظيفة العمومية (أكثر من 19 مليار دينار من أصل قيمة الميزانية ب 47 مليار دينار).
كما لاحظ أن حجم الميزانية يمثل زهاء 40 بالمائة من الناتج الداخلي الإجمالي والحال أن المقاييس العالمية تشترط أن لا يتجاوز حجم الميزانية ال20 بالمائة من الناتج، مستنتجا أن الدولة أصبحت مكلفة.

وعرج سعيدان على علاقة الحكومة الجديدة بصندوق النقد الدولي الذي يصر على ألا تتجاوز كتلة الأجور 4ر12 بالمائة من الناتج الداخلي الإجمالي في حين ستصل إلى 7ر15 بالمائة من الناتج الداخلي الإجمالي في العام المقبل وهو ما يطرح إشكالا في حد ذاته للحكومة المقبلة في حوارها مع الصندوق..
يشار إلى أن تونس تنتظر القسط السادس من صندوق القرض الممدد بقيمة تفوق 600 مليون دينار.

ومن التحديات الهامة التي تنتظر الحكومة المقبلة وفق سعيدان هي مسألة الاقتراض المبرمج لتمويل الميزانية الذي سيناهز 12 مليار دينار مقابل 3ر10 مليار دينار في 2019 بزيادة بنسبة 16 بالمائة، متسائلا عن كلفة هذا الاقتراض وانعكاسه على خدمة الدين.

ويرى المتحدث أن ملف الاتفاق الحر الشامل والمعمق مع الاتحاد الأوروبي (اليكا) يطرح ضغوطا إضافية على الحكومة المقبلة، داعيا إياها إلى الحسم في الملف وأخذ موقف واضح في الغرض.
ولفت في هذا الصدد الى أن الاتحاد الأوروبي يبقى الشريك الاقتصادي الأول لتونس بمعاملات تجارية تصل إلى 75 بالمائة.

ومن جانب آخر حذر سعيدان الحكومة القادمة من خطورة تفاقم مستوى الدين العمومي والذي سيبلغ 89 بالمائة من الناتج الإجمالي الداخلي في 2020 بينما سيفوق الدين الخارجي 100 بالمائة من الناتج ما سيضاعف من حجم الصعوبات ، وفق تقديره.

وتتعلق بقية الملفات الحارقة التي يعتبرها عاجلة ولا تنتظر التأخير في معالجتها، مسالة السيطرة على التضخم المالي ومزيد التحكم في عجز الميزان التجاري (إلى جانب العمل على التحكم في نفقات الدولة.

وجدد عز الدين سعيدان مقترحه بالشروع في تشخيص حقيقي وموضوعي للأوضاع الاقتصادية في البلاد والدخول مباشرة في برنامج إصلاح هيكلي يدوم سنة ونصف ثم الشروع الفعلي في انجاز الإصلاحات الكبرى التي تستغرق بين 3 و4 سنوات.

واتسمت فترة رئيسي الحكومة في العهدة الفارطة (2019/2015) للحبيب الصيد ويوسف الشاهد بتنفيذ على الاقل ثلاثة هجمات إرهابية قاصمة (بين مارس ونوفمبر 2015 شملت متحف باردو واحد نزل سوسة واستهداف حافلة للأمن الرئاسي) أثرت بشكل سلبي على الاقتصاد التونسي وبخاصة القطاع السياحي.

تغيير مواعيد الانتخابات التشريعية والرئاسية لتزامنها حاليا مع فترة اعداد مشروعي قانون المالية وميزانية الدولة

بين الأستاذ بالمعهد العالي للتصرف عبد الرحمان اللاحقة أن التحديات الاقتصادية لم تتغير وسترافق الحكومة القادمة التي يتعين عليها الحسم فيها بصفة جذرية ، وشدد على وجوب أن تكون الإصلاحات الاقتصادية جدية وتؤخذ مرة وحدة بقرار وصفه بالشجاع والقوي.

وفسر في هذا الإطار أن الحكومات الفارطة شرعت في سن جملة من الإصلاحات لكن سرعان ما توقفت عن تنفيذها بسبب تراخيها، ويظل إعادة إطلاق النشاط الاقتصادي من اوكد أولويات الحكومة القادمة من وجهة نظره، إذ صرح بأنه لم يقع إيجاد الطرق المثلى لإعادة إطلاق النشاط الاقتصادي على الوجه الأكمل في السنوات الأخيرة.

وتطرق اللاحقة من جانب آخر إلى تدني الخدمات العمومية من خلال التراجع اللافت للخدمات الصحية والتعليم والنقل والتي سيكون تحديا هاما مطروحا على الحكومة القادمة،مضيفا أن الإصلاح الجبائي سيكون من الملفات الهامة المطروحة على طاولة رئيس الحكومة القادم من منطلق أن هذا الإصلاح لم يكتمل إلى الآن.

كما اعتبر انه من الضروري إعادة الأمل للجهات الداخلية ولا سيما المناطق المحرومة والمهمشة بالتسريع في نسق انجاز مشاريع البنية التحتية بهذه الجهات.

واقترح عبد الرحمان اللاحقة تنقيح القانون الانتخابي في اتجاه اعتماد موعد جديد للانتخابات التشريعية والرئاسية والابتعاد عن شهر أكتوبر الذي يتزامن مع إعداد وإيداع مشروعي الميزانية وقانون المالية بما يعطي هامش تحرك أفضل للحكومة الجديدة لإعداد ميزانيتها بمعزل عن الضغوطات والآجال الدستورية وكذلك الدفاع عن مشروع ميزانيتها علاوة على وضع تصوراتها وتوجهاتها.

وعرفت تونس أيضا في العهدة الحكومية المتخلية تنفيذ العديد من الإضرابات والاعتصامات شلت عددا من القطاعات الحيوية على غرار نشاط إنتاج وتحويل الفسفاط وبالتالي تراجع عائداته.

تحسين الخدمات الاجتماعية ومقاومة الفساد

ويرى أستاذ الاقتصاد بالجامعة التونسية رضا الشكندالي، أن الحكومة المقبلة تنتظرها جملة من التحديات الهامة لعل أهمها مشروع ميزانية دولة بأكثر من 47 مليار دينار أعدته الحكومة الحالية بنفس الآليات التي أفضت إلى نسبة نمو اقتصادي حيّنه صندوق النقد الدولي إلى مستوى 5ر1 بالمائة لكامل سنة 2019 بعد أن كان مبرمجا في ميزانية الدولة ب 1ر3 بالمائة بالرغم من الموسم الفلاحي المتميّز والموسم السياحي الاستثنائي.

وهو ما يطرح في نظره أهمية طرح برامج واليات ترفع من نسق النمو الذي سجل مستويات دنيا لم ترتق إلى حجم التطلعات ولا سيما التشغيل ومقاومة البطالة (3ر15 بالمائة).

وتابع قائلا ” لعل ضيق الوقت لا يسمح للحكومة القادمة بأن تعدّل في هذا المشروع ، وعليها أن تنكب في تغييره منذ بداية سنة 2020 لتقدم في حدود شهر مارس ميزانية تكميلية تتضمن جملة من الإجراءات الجديدة التي سيتضمنها برنامج الحكومة القادمة”.

ويضيف “من التحديات الهامة الأخرى التي ستعترض الحكومة القادمة تعقد المفاوضات مع صندوق النقد الدولي حيث ينتهي اتفاق الصندوق الممدّد في شهر أفريل من سنة 2020 ، ولم تتمكن الحكومة الحالية من الوصول إلى أي هذه من الأهداف المضمنة في هذا الاتفاق ممّا سيرفّع من سقف الشروط للصندوق في المفاوضات القادمة وهو ما يتطلب برنامج حكومي في غاية الوضوح والواقعية”.

وينتظر كذلك من الحكومة القادمة أن تشتغل على ملفين يعتبران الشعار الأبرز في انتخابات 2019 وهي مقاومة الفساد وتكريس دولة القانون، فالخسائر المالية الجسيمة التي تسجلها جل المؤسسات العمومية لم تكن إلا نتيجة لسوء الحوكمة وتفشي ظاهرة الفساد في هذه المؤسسات.

وخلص في هذا الإطار إلى أن غياب الدولة وتلكؤها في تطبيق القانون من أهم الأسباب التي عطلت الإنتاج في شركة فسفاط قفصة وأسهمت كذلك في تراجع إنتاجية العمل في أغلب الإدارات العمومية وتنامي ظاهرة الاحتكار والتلاعب بالأسعار وتضخم حجم الاقتصاد الموازي/وات.

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

The reCAPTCHA verification period has expired. Please reload the page.