حركة النهضة التونسية معرضة “لزلزال كبير” يهدد وجودها السياسي

0

المنبر التونسي (النهضة) – تمر حركة النهضة التونسية بأزمة داخلية مستعصية بعد سلسلة الاستقالات الجماعية للعشرات من قيادييها، تنديدا بما اعتبروه “خيارات خاطئة” ردا على قرارات اتخذها الرئيس التونسي منذ 25 يوليو/تموز وسمحت له بتوسيع سلطاته، ثم في ضوء الإعلان المنتظر لقيس سعيّد في 17 ديسمبر/كانون الأول والذي لم يستبعد مراقبون أن يكون بمثابة “زلزال سياسي” يقضي بحل الحزب ذي التوجه “الإسلاموي” بشكل نهائي على خلفية قضية “التمويل الأجنبي”.

يعيش حزب النهضة في تونس أزمة آخذة في الاتساع مع استمرار الاستقالات في صفوفه بعد إعلان 16 عضوا من مجلس شورى الحركة الإثنين تعليق عضويتهم، إضافة إلى استقالة 113 عضوا في أواخر سبتمبر/أيلول بينهم قيادات نواب في البرلمان المجمد، على خلفية “الإخفاق في معركة الإصلاح الداخلي للحزب” على حد تعبيرهم، فيما نبه مراقبون إلى أن الرئيس قيس سعيّد قد يقرر في 17 ديسمبر/كانون الأول حل الحزب “الإسلاموي” بعد أن اتهمه بتلقي “تمويل أجنبي”.

 

وتأسست النهضة في 1972 وكانت تنظم مؤتمراتها بشكل سري داخل تونس خصوصا في الفترة ما بين 1979 و1989، إلى جانب عقدها ثلاثة مؤتمرات في الخارج في 1995 و2001 و2007. وتعرضت الحركة للقمع في عهد بورقيبة وبن علي الذي أطاحت به ثورة يناير/كانون الثاني 2011. وخلال التسعينيات صدرت بحق مئات من أعضائها أحكام ثقيلة بالسجن في محاكمات وصفتها منظمات حقوقية بأنها غير عادلة. واضطر المئات من قيادييها وقتها ومنهم زعيمها التاريخي راشد الغنوشي البالغ من العمر 80 سنة إلى اختيار المنفى فرارا من القمع. وأسس الغنوشي النهضة مع عدد من رفاقه المتأثرين بفكر “الإخوان المسلمون”، وعاد إلى تونس إثر الثورة بعد أكثر من 20 عاما قضاها في بريطانيا.

نزيف داخلي مستمر! 

وكان 16 عضوا من مجلس شورى حركة النهضة قد قرروا الإثنين تعليق عضويتهم في المجلس ولجان المؤتمر القادم، بسبب “فقدان هذه المؤسسة لوظيفتها الرقابية واستقلالية قرارها وتحولها يوما بعد يوم إلى ما يشبه لجنة وظيفية ملحقة بالمكتب التنفيذي” حسب تعبيرهم. وأكدوا في بيان داخلي، حسبما أفاد مراسل فرانس24 في تونس نور الدين مباركي، على أنهم متمسكون بهذا الموقف “إلى أن تتفاعل القيادة الحالية مع المطالب الأساسية للإصلاح، وتستجيب لها توفيرا للحد المعقول من فرص تجاوز الوضع الراهن”.

ودعا الموقعون على البيان وهم كل من محمد بن نجمة، العربي القاسمي، ناجي الجمل، جلال الورغي، محمود جاب الله، محمّد النّوري، خالد العزابي، عبدالرؤوف النجار، عبد الله الدريدي، دنيال زروق، فيتوري بالرّيش، فوزي العبدولي، صالح بن عبد الله، لطفي العمدوني، قسومة قسومة، إلى إعلان الصف القيادي الأول بقيادة رئيس الحركة راشد الغنوشي وعلي العريض ونور الدين البحيري “أنهم ليسوا معنيين بالمؤتمر القادم، من حيث المنافسة على المسؤوليات الأولى في الحركة، من أجل فسح المجال لجيل قيادي جديد بتحمل المسؤولية”. 

 

وحذر البيان من “خطورة الوضع الذي تمر به البلاد والذي يهدد “بنسف المسار الديمقراطي وإجهاض مكاسب الثورة.. التي تعبر عن تطلعات الشعب التي تضمنها دستور 2014 المعلق يوم 22 سبتمبر 2021 عبر انقلاب ناعم يتمدد في اتجاه حكم فردي مطلق ومطبق على الحريات والتعددية السياسية”. وأيضا إلى “عمق الأزمة الداخلية منذ انقلاب 25 يوليو/تموز الذي أظهر النهضة كمسؤول رئيسي عن حصيلة السنوات العشر المنقضية”. وأثار البيان أيضا مسألة الاستقالات من حركة النهضة مضيفا أن المؤتمر “فقد مقصده وأهدافه وأضحى موضع تساؤل لدى جل أبناء الحركة بعد نزيف الاستقالات التي انطلقت فردية لتتفاقم وتتحول إلى استقالات جماعية وبعد إقدام القيادة على غلق ما يزيد عن 80 بالمئة من المقرات في المحليات، والانسحاب الصامت لكثير من القيادات والمناصرين”. 

التمويل الأجنبي؟ 

من جهته، أثار الرئيس التونسي قيس سعيّد مسألة اتهام حركة النهضة بتجاوزات خلال انتخابات 2019، وقال إن تقرير محكمة المحاسبات المتعلق بتلك الانتخابات التشريعية والرئاسية، صادر عن محكمة وليس عن سلطة إدارية أو سياسية وله حجية، رغم أنه يحمل صفة التقرير لا الحكم. وصرح سعيّد خلال استقباله الإثنين رؤساء المجلس الأعلى للقضاء ومجلس القضاء العدلي ومجلس القضاء المالي والرئيس الأول للمحكمة الإدارية، أنه “لا بد بقطع النظر عن التسمية، ترتيب النتائج القانونية على هذا التقرير”.  

ولوح سعيّد بإصدار مراسيم خاصة لتنفيذ قرارات محكمة الحسابات فيما يتعلق بـ”الجرائم الانتخابية” المسجلة في انتخابات 2019، وهو ما اعتبره مراقبون تلويح بـ“إسقاط قوائم انتخابية لأحزاب ورد اسمها ضمن تقرير محكمة المحاسبات”. وتعرض سعيّد خلال كلمته إلى الفصل 163 من القانون الانتخابي التونسي، الذي ينص على “مع مراعاة مقتضيات الفصل 80، إذا ثبت لمحكمة المحاسبات أن المترشح أو القائمة قد حصلت على تمويل أجنبي لحملتها الانتخابية فإنها تحكم بإلزامها بدفع خطية مالية تتراوح بين عشرة أضعاف وخمسين ضعفا لمقدار قيمة التمويل الأجنبي. ويفقد أعضاء القائمة المتمتعة بالتمويل الأجنبي عضويتهم بمجلس نواب الشعب ويعاقب المترشح لرئاسة الجمهورية المتمتع بالتمويل الأجنبي بالسجن لمدة خمس سنوات. ويحرم كل من تمت إدانته بالحصول على تمويل أجنبي لحملته الانتخابية من أعضاء قائمات أو مترشحين من الترشح في الانتخابات التشريعية والرئاسية الموالية”.

في المقابل، قالت القيادية في حركة النهضة زينب البراهمي خلال مؤتمر صحفي الإثنين، إن الوثائق الرسمية (تقرير محكمة المحاسبات) تثبت بأن حزبها لم يتحصل على أي مبلغ مالي من الخارج ولم يبرم أي عقد ”لوبينغ” لا بصفة أصلية ولا بتوكيل ولا عبر أحد قياداتها، مشيرة إلى أن الملف مفتوح لدى القضاء. بدوره، نبه القيادي سامي الطريقي مما اعتبره رغبة في إقصاء النهضة وإبعادها من المشهد السياسي استنادا لمؤسسات الدولة، مشيرا إلى محاولات “للضغط على القضاء”.

 

واعتبرت “النهضة” الإثنين أن تونس أصبحت في “عزلة” مجددة دعوتها لعودة أشغال البرلمان المعلقة. وقال القيادي في الحركة علي العريض خلال مؤتمر صحفي، إن تونس أصبحت في عزلة دولية وإقليمية استنادا إلى عدة مؤشرات منها أن السوق الخارجية لا تقبل إقراض البلاد، والصناديق الدولية تدفع إلى أن تسوي تونس وضعيتها والعودة إلى المسار الدستوري.

وفيما دعا إلى عودة عمل البرلمان معتبرا أنه “كلما تجمعت السلطات بيد شخص واحد كلما زاد الاستبداد والفساد”، شدد العريض على ضرورة حياد واستقلالية المؤسسات الأمنية والعسكرية والإدارية، مشيرا إلى أن هناك محاولة ضغط على السلطة القضائية وتوظيفها.

“الزلزال الكبير” 

من جهة أخرى، توقع الأمين العام لحزب “حركة تونس إلى الأمام” عبيد البريكي أن يعلن الرئيس التونسي في 17 ديسمبر/كانون الأول عن قرارات وإجراءات هامة. وقال في حديث لإذاعة “ديوان إف إم” الثلاثاء إن “17 ديسمبر سيكون زلزالا جديدا في تاريخ المسار السياسي”. مضيفا بأن سعيّد أكد له “أنه لا مجال إلى العودة إلى ما قبل 25 يوليو/تموز”.  

كما قال د. رياض الصيداوي مدير المركز العربي للدراسات السياسية والاجتماعية في جنيف، في اتصال هاتفي مع فرانس24، إن “حركة النهضة عانت مؤخرا من مشاكل داخلية ككل الأحزاب التي تصل إلى السلطة وتمارسها ما يحدث فيها تناقضات في مرحلة ممارسة الحكم. وخلال عشر سنوات لم تُحدث (النهضة) المعجزة الاقتصادية والاجتماعية والحضارية، وطفحت تناقضاتها وصراعاتها الداخلية”. مضيفا بأن “جناح راشد الغنوشي أو ما يسمى جماعة لندن هو المهيمن، وهو الذي لديه العلاقات الدولية مع قطر وتركيا وحتى أمريكا وبريطانيا. لكن ثمة جيل يرفض زعامة الغنوشي وقد يشكل حزبا جديدا في حال تم حل النهضة”. 

وتابع الصيداوي في تعليقه على القرارات المرتقبة من الرئيس التونسي في 17 ديسمبر، وقضية التمويل الأجنبي: “الموضوع حساس جدا. أعتقد أن حركة النهضة ستعيش زلزالا كبيرا. وربما يتم حل الحزب وتشكيل حزب آخر من الأشخاص الذين لم يتورطوا (في قضية التمويل الأجنبي) من حركة النهضة للعودة إلى الحياة السياسية. لكن القرار يخضع لحسابات داخلية وخارجية دولية. هل تقبل أمريكا وهل ستعاقب تونس؟ وماذا عن مصالح تونس مع قطر” التي ينظر لها البعض كراعية لهذا الحزب.

 

بدوره، قال خالد عبيد أستاذ التاريخ السياسي المعاصر بالجامعة التونسية في محادثة هاتفية مع فرانس24: “إن ثمة قرار سيتخذه رئيس الجمهورية فيما يخص حركة النهضة، الأرجح أنه سيتم ربما حل حزب حركة النهضة بالنظر إلى المخالفات التي ارتكبت خلال الفترة الانتخابية. وهي تقع تحت طائلة المساءلة خاصة في مستوى المرسوم الخاص بالأحزاب. حل الحزب وارد وممكن واعتقال القيادات يقع على عاتق القضاء وليس من صلاحية الرئيس. وبالنسبة إلى صلاحية حل الحزب فهي من اختصاص السلطة التنفيذية، التي توجد بيد الرئيس”.

فرانس24

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

The reCAPTCHA verification period has expired. Please reload the page.