يمثل شباب قارة إفريقيا فرصة وتحديًا في آن واحد 41% من سكان إفريقيا هم دون ال 15 عام

0

بقلم السفيرة أمينة محمد

بحلول عام 2035، سيزيد عدد العاملين في القارة في الفئة العمرية بين (15 – 64) عن باقي قارات العالم أجمع.[1] ويعد هذا "العائد الديموغرافي" فرصة عظيمة من أجل زيادة الإنتاجية والنمو الاقتصادي. ومع ذلك، فهي تمثل تحديًا من ناحية التقدم والاستقرار المجتمعي؛ حيث أنه يمكن أن تفرض فئة الشباب المهمشة – سياسيًا أو اقتصاديًا أو اجتماعيًا – مزيدًا من الضغوط على عاتق الموارد المستهلكة بالفعل، وبالتالي تصبح عرضة للتطرف والسلوك الإجرامي.[2]   

تعاني مدن مثل لاغوس من مشاكل البطالة المقنّعة بين الشباب حيث أن الزيادة السكانية تفوق ارتفاع الفرص الاقتصادية.[3] وتعتبر هذه التحديات معقدة، ولكن يمكن حلها. وبالتالي لا يجب تأجيل معالجة هذه الأمور – "فالشباب هو مستقبلنا،" فدائمًا ما تختفي القرارات، ولكن لا يجب علينا أن نغفل أنها تمثل جزءً كبيرًا من حاضرنا.

يجب على الدول الإفريقية سن سياسات تمكينية وإنشاء هياكل مؤسسية من أجل تسخير إمكانات الشباب. فالهياكل الاقتصادية، والسياسية والاجتماعية تحفز الشباب ومن أمثلتها توفير خدمات رعاية صحية ذات جودة وبأسعار معقولة، بالإضافة إلى التعليم، والمهارات، والتدريب، والحريات السياسية، والتضمين، والوصول إلى المعلومات من الاستفادة من النمو الديموغرافي.

فالبطالة تحجم من قدرات الشباب الإفريقي، وذلك يحتاج منا النظر لأبعد من توسيع نطاق الحصول على فرص التعليم. كما أن استمرار معدلات البطالة بين الشباب، والتي وصلت إلى حوالي 50% في أنحاء القارة[4]، هو أحد أهم التحديات التي تواجهنا. وحتى يومنا هذا، حاولت دول كثيرة التعامل مع هذا التحدي من خلال زيادة فرص الحصول على تعليم جيد. ومن ثمَّ لا يجب الاهتمام بفرص التعليم المتاحة لدينا فقط، ولكن يجب كذلك الاهتمام بعلاقة التعليم بسوق العمل. فأصحاب العمل في جميع أنحاء القارة يشكون من افتقار خريجي الجامعات للمهارات الهامة – وخاصة المهارات الشخصية – في حين يصاب الطلاب بالإحباط والغضب عندما يكتشفون أن السنوات التي قضوها في التضحية من أجل العلم قد مرت هباءً دون توفير فرص عمل مجزية.

بالإضافة إلى الاستثمار في التعليم، يجب علينا توفير نظام بيئي مكوّن من برامج ذات صلة تساعد صاحب العمل في تحديد أولوياته، وتدريب الشباب عليها – وخاصة في القطاعات التي تهدف إلى تعيين عدد كبير من الموظفين، مثل قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات.[5]

بالإضافة إلى ذلك، يجب علينا محاولة فهم التحديات التي تواجه الشباب الذي يحاول الانخراط في الأعمال الحرة، والمساعدة في تنمية الشركات الصغيرة التي تمثل نسبة كبيرة من توفير فرص العمل في إفريقيا – فإذا أضفنا فرصة عمل واحدة فقط لـ 15% من الشركات الصغيرة والمتوسطة الحالية في جنوب إفريقيا، فيمكن أن يؤدي ذلك إلى انخفاض معدل البطالة بأكثر من 4%.[6] لا يعني ذلك قطعاً أنه على جميع الشباب الانخراط في الأعمال الحرة، ولكن يجب علينا الاحتفاء بمن ينشؤون الشركات المحلية التي تعزز من صمود عائلاتهم، ومجتمعاتهم وبلادهم.

بعيدًا عن الاقتصاد، علينا الاهتمام بأمور الهوية والانتماء لمساعدة الشباب في التكيف مع القارة المتغيرة، تعتبر إفريقيا أكثر القارات الريفية التي طالها الزحف العمراني سريعاً. ومع استمرار انتقال الشباب السريع بين المدن والقرى والاستفسار الدائم عن التقاليد الراسخة والتسلسلات الهرمية، سيبحثون دائمًا عن طرق جديدة للانتماء يمكنهم فهمها. كما أنهم يعانون من التهميش الاقتصادي، وبالتالي قد يعرضهم ذلك إلى الأيدولوجيات المدمرة مثل التطرف العنيف الذي يوفر الإحساس بالانتماء للمجتمع وللهوية.

هناك حاجة ملحة للتواصل والتعبير بشكل ممتع عن معنى أن تصبح شابًا إفريقيًا في القرن الحادي والعشرين، واستعادة سحر الهوية الإفريقية التي اجتاحت القارة السمراء في فترة الخمسينيات والستينيات، وألهمت الآباء والأمهات الذين أسسوا منظمات مثل الاتحاد الإفريقي. ومن ثم يجب تقديم التراث والتاريخ الإفريقي في مراحل التدريب والتعليم المبكرة للأطفال، وتوسيع نطاقها ليناسب الاحتياجات المعرفية لشبابنا خلال حياتهم التعليمية.

يجب علينا أيضًا الاستثمار بشكل أكبر في الشباب وحماية اختراعاتهم المبتكرة. تلك هي الأوقات الاستثنائية الخاصة بإفريقيا. ففي الأعوام الأخيرة، شهدنا عناد الشباب الإفريقي، وقيادته، وشجاعته وبسالته. حيث خلق شبابنا الفرص واستغلها لتلبية سعادة وكرامة مواطنينا. فهم يستفيدون قدر المستطاع من التقدم الذي أحرزه مجال تكنولوجيا المعلومات والعصر الرقمي للوصول إلى حلول مبتكرة لتخليص المجتمعات من الحاجة إلى التطرف.

ولأنها تعتبر القارة الشابة في العالم، سيستمر شبابنا في تحديد المستقبل، كما سيحدد أيضًا نمونا ونجاحنا. ومن أجل إطلاق العنان لقدرة شبابنا على الابتكار، يجب علينا الاهتمام بإنشاء مراكز ابتكار توظيفية في جميع أنحاء القارة لاحتضان جميع الأفكار العبقرية ودعمها تجاريًا. ولقد فقدت الكثير من العقول المبتكرة بسبب غياب هياكل حماية الملكية الفكرية، حيث لا يمكن تمويل أي أفكار من دون حماية الملكية الفكرية.

كما يجب علينا دمج تلك المراكز مع مؤسسات حماية الملكية الفكرية المحلية، والعالمية، لكي نستفيد من تلك الابتكارات.

يجب علينا التخلص من العوائق التي تمنع مشاركة المرأة الكاملة في العمليات الاقتصادية الإفريقية. فبغض النظر عن كونها عاملاً حيويًا في القوة العاملة المنتجة في إفريقيا، لا يزال دور المرأة مهمشًا وليس لها الحقوق الكاملة في المشاركة الاقتصادية. وتعد القيم الثقافية والتقاليد من أسباب عدم المواساة بين الجنسين، مما يعوق القدرة الانتاجية الكاملة للمرأة. يجب أن يتم تفعيل بعض الترتيبات المؤسسية للتأكد من مشاركة المرأة في عمليات اتخاذ القرار والحصول على المعلومات، ورؤوس الأموال، وفرص العمل.

من المهم أيضًا الاستثمار في إحصاءات النوع الاجتماعي للتأكد من أن السياسات تتماشى مع الاحتياجات والأدلة وفقًا لشروط أساسية. وفقًا لدراسة قامت بها اللجنة الاقتصادية لأفريقيا بعنوان " خلاصة وافية عن إحصاءات النوع الاجتماعي في أفريقيا،" نجد أن هناك سبعة دول فقط من أصل 33 تمول إحصاءات النوع الاجتماعي بشكل مباشر وهي: كينيا، وإثيوبيا، ورواندا، وتانزانيا، وأوغندا، وزامبيا، وزمبابوي.

إذا كنا نسعى لتحقيق نمو ثابت، وشامل، ومستدام، لا يمكننا تهميش نصف عدد السكان وإبعاده عن العمليات الاقتصادية.

(السفيرة أمينة محمد، أمين عام مجلس الوزراء للشؤون الخارجية، ومرشحة عن دولة كينيا لمنصب رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي).

 

 

 


[1] صندوق النقد الدولي، " آفاق الاقتصاد الإقليمي: جنوب الصحراء الكبرى بإفريقيا،" 2015.

 

 

[2]  البنك الدولي، "التحول الديمغرافي الإفريقي: نعمة أم نقمة؟،" 2015، هنريك أوردل، "أهو صراع الأجيال؟ زيادة عدد الشباب والعنف السياسي،" 2011.

 

 

[3]  إليزابيث روزينتال، "الارتفاع السريع في عدد السكان كاختبار في نيجيريا،" 2012.

 

 

[4]  المنظمة الدولية للعمالة، "لم يتم حل أزمة البطالة بين الشباب الإفريقي بعد." ملحوظة: يعبر هذا النموذج عن البطالة طويلة الأمد، أي هؤلاء الذين يعيشون من دون عمل لمدة عام أو أكثر.

 

 

[5] مؤسسة روكفلر، "وظائف مجال الاتصالات في إفريقيا،" 2016.

 

 

[6]  مؤسسة جي بي مورجان تشايس ودالبرج، "أسباب مبادرة النمو في إفريقيا: التقرير النهائي،" 2014.

 

 

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

The reCAPTCHA verification period has expired. Please reload the page.