مؤرخ تونسي ينشر الجزء الثاني من: “قلب الذيب” أو الجهل بالتاريخ ويفضح الأخطاء التاريخية في المسلسل

0

المنبر التونسي(قلب الذيب) – نشر المؤرخ التونسي والأستاذ الجامعي علية عميرة الصغير على صفحته الخاصة بموقع الفايسبوك تكملة للصفحة التاريخية الاولى التي نشرها تحت عنوان “قلب الذيب والجهل بالتاريخ”.
وفضح من خلالها الاخطاء التاريخية التي تضمنها مسلسل “قلب الذيب” الذي تبثه قناة الوطنية 1 بداية من أول يوم رمضان..

وورد الجزء الثاني من التدقيق التاريخي كالآتي:

الجزائريون في دعم معركة التحرير في تونس

هذه صفحة فقط من التواصل النضالي بين الشعبين التونسي والجزائري. في النص السابق ذكّرنا بما قدمه التونسيون وفي هذا نذكر بعض ما قدمه الجزائريون:

وصلت الصيغ السلميّة في مقارعة الاستعمار الفرنسي في بداية الخمسينات من القرن الماضي في كامل المغرب العربي إلى طريق مسدود أمام تصلّب فرنسا ورفضها للمطالب الوطنية ممّا دعّم القناعة عند العديد من قادة حركات التحرّر في هذه المستعمرات وخاصة عند القواعد الشعبية إن لا مناص من اعتماد العنف المسلح لطرد المستعمر.

ففي الجزائر كما هو معلوم وبعد مجازر ماي 1945 في سطيف وقالمة، كوّن الجناح الرادكالي في “حركة انتصار الحريات” “المنظمة الخاصة” (l’OS) (فيفري 1947) التي بقيت تنشط وتهيّئ للثورة حتى اكتشافها في ماي 1950، في الأثناء وقعت محاولات من طرف قياديي الحركة في الجزائر للتنسيق مع التونسيّين حيث التقى وفد عن حركة انتصار الحرّيات فيه بوقادوم وبن بلة وجمال دردور في جانفي 1949 بتونس بصالح بن يوسف بصفته الأمين العام للحزب الدستوري الجديد بغرض بعث تنظيمات عسكرية مشتركة للتحرير.

فكان ردّ الجانب التونسي بالسّلب لكن يبدو أنّ بورقيبة بعد عودته من الشرق في سبتمبر 1949 واتصاله بالقيادة الجزائرية بباريس في بداية 1950، قد أقنعه النائب في البرلمان الفرنسي آنذاك والقيادي في حركة انتصار الحريات أحمد مزغنّة بضرورة بعث منظمة مقاومة موازية للحزب فتم فعلا انشاء منظمة “الأحد عشر السّود” ورتّب لقاء لأبرز نشطاء هذه المجموعة المناضل بلحسين جراد مع قائد “المنظمة الخاصة” أحمد بن بلة والذي وقع فعلا في 17 فيفري 1950 بسوق الأربعاء وتم فيه الاتفاق على التعاون.

لكن يبدو أنّ اكتشاف أمر المنظمة الخاصة في ماي 1950 ودخول الحزب الحر الدستوري الجديد حكومة شنيق التفاوضية في أوت 1950 أرجأ التعاون بين مقاومي البلدين حتى اندلاع المقاومة المسلحة في تونس في جانفي 1952 وفي الجزائر في 1 نوفمبر 1954 لكن لا يعني هذا أنّ قبل ذلك لم يحدث تواصل خاصة وانّ تلك السّنوات كانت سنوات تعبئة وجمع السلاح وتسريبه بين الحدود وخاصة في اتجاه الجزائر. لكن التعاون الفعلي بين حركتي المقاومة سوف يتم في سنوات الحسم اللاّحقة (1952 – 1957).
في الواقع عندما اندلعت الثورة الجزائرية في 1 نوفمبر 1954 كان الوطنيّون التونسيون يتفاوضون مع الحكومة الفرنسية لمنح تونس استقلالها حيث تم الاتفاق في 22 نوفمبر بين الطرفين على أن يسلّم المقاومون أسلحتهم قبل 10 ديسمبر 1954 ويمنح لهم “الأمان” وهو ما تمّ فعلا لجلّ المقاومين ما عدا البعض أبرزهم القائد الطاهر لسود لذا كان الدّعم الفعلي من الجزائريين للمقاومة التونسية في فصلها الثاني أي من أواخر 1955 حتى 1957 أي في مرحلة ما يطلق عليه الثوار بـ “الثورة الثانية” .

هذا لا يعني إنّه في المرحلة الأولى من المقاومة ( جانفي 1952 – ديسمبر 1954) لم يحصل دعم وتآزر من قبل الجزائريين لإخوانهم في تونس ولنا الآن من شهادات المقاومين ما يكفي على التدليل على أنّ دعما حقيقيا حصل لمجاهدي تونس خاصة من الأهالي في المناطق المتاخمة للحدود حيث كانت الجزائر ملجأ للثوار عندما يشدّد عليهم الجيش الاستعماري الخناق كذلك زوّد الجزائريون المقاومين بالسلاح ما أمكن.

وهنا يمكن أن نورد شهادة القائد الساسي بويحي حيث يذكر أنه انتقل إلى تبسة وتلقى من القائد يونس الجزائري “بغلة و6 مكاحل” كذلك يورد القائد عبد الوهاب السندي في شهادته إنه دخل الجزائر مع مقاومين آخرين وقضّى شهرا متنقّلا بين الشريعة وتبسّة وإن أربعة أو خمسة مقاومين جزائريين تطوّعوا للجهاد معهم في تونس وشهد القائد السّاسي لسود كذلك إنّ في فرقته كان هناك 11 جزائريا أما القائد الآخر والأشهر الطاهر الأسود فيذكر أنه أمضى شهرين مع الثوار بجبال الأوراس مبجلا من الثوّار.

وعلى ساحة المعارك يحصل أن يسهّل العساكر المغاربة والجزائريين المجنّدين بالجيش الفرنسي فكّ الحصار عن المقاومين التونسيين بتسهيل انسحابهم والتّغاضي عنهم مثل ما جدّ في معركة جبل برقو (12 نوفمبر 1954) أو تقديم المعلومات للمجاهدين أو حتى الفرار من الجيش الفرنسي والالتحاق بالثوار شأن الضبّاط الجزائريين الثلاثة رابح الحملاوي (من أولاد يحي من البويرة) وعبد الله بن محمد عطاف وابراهيم الباتني (من باتنة) الذين انضموا إلى فرقة محمود اليحياوي (شهر الرزّامي) بجبل طريّش في سبتمبر 1954.

وفي الواقع إنّ المشاركين في “الثورة التونسية” كانوا كثيرين حتى وإن لم يكشف البحث بعد عن أسمائهم كاملة خاصة من أبناء الناحية الشرقية من الجزائر (منطقة تبسة وسوق أهراس والواد…) ويذكر الباحث فريد نصر الله أنّ أبرز المشاركين في المقاومة التونسية من هذه الجهة هم : لزهر شريّط، بوصفصاف صالح، جدّي محمد فرحات، بلقاسم قلبي، محمد عبد الرحمان، محمد بن عبد الحفيظ بالنور، بن طيبة لحسن، الحاج مصطفى زرقاوي، علي بن زايد، العبدي ثابت، عبد الله النقريني، بودبوس الكامل، غلاب بشير، علي عبد الحفيظ مشري، ساعي فرحي، محمد بن عبد العزيز حمدان، الأمين دربال، بوزيان العربي، عمارة ابراهيم (بن سالم)، عبد العزيز سديرة، عبد الله بورقعة، عبد المالك قريد (الجنة) .

ولا يفوتنا أن نذكر هنا المقاومة الجزائرية مسعودة موساوي التي كانت التحقت بالجبل في فرقة القائد لزهر الشرايطي وعند اندلاع الثورة في الجزائر التحقت بجبال الأوراس لتستشهد هناك سنة 1957 .

ومن المرجّح أن عديد الجزائريين استشهدوا على أرض تونس في معارك عدّة مثل الشهيدين على الزرواني ومسعود السافي اللّذين استشهدا في معركة جبل سيدي عيش الثانية (20/11/1954) .

شهدت اذن تونس منذ أواخر 1955 حتى صائفة 1957 عودة واسعة للمقاومة المسلحة في ما يسميه المقاومون اليوسفيون بـ “الثورة الثانية” في إطار الخلاف بين المدافعين على اتفاقيات الاستقلال الداخلي (البورقيبيون) والرافضين لها (اليوسفيون) وكان للمقاومة الجزائرية حضور كبير فيها تحت راية التضامن المغاربي والعروبة والإسلام ومن أجل استقلال بلدان المغرب جميعها الآني والناجز.
وقد تحوّل إلى تونس المجاهدون الجزائريون، خاصة من الولايتين الأولى والثانية، في الأوّل (أواخر 1955) بالعشرات للإلتحام بالمقاومين التونسيين لتتضاعف أعدادهم بتعدّد بؤر المقاومة على كامل الشريط الحدودي مع الجزائر (من سوق الأربعاء والقصرين وسيدي بوزيد وقفصة والجريد حتى جبال بني خداش في الجنوب الشرقي) ليناهز عددهم قرابة الألف في بداية 1957.
وإن كانت مهمة المقاومين المتحدين في كتائب قتالية مشتركة في الأول هي افشال اتفاقيات الاستقلال الداخلي (3 جوان 1955) واشعال الثورة الشاملة فإنّ تحصّل تونس على استقلالها في 20 مارس 1956 غيّر في إستراتيجية وحدات جيش التحرير الوطني في تونس وأصبح من أولويّاتها ضمان تموين الداخل (الجزائر) بالسلاح وتأمين ما تفترضه تونس كقاعدة خلفيّة للثورة (قواعد للتجنيد والتدريب، ومراكز للاستشفاء وخزن الأسلحة والتموين، ملاذ للقيادة…).
وقد تكونت إذن طيلة فترة 1955 – 1957 “عصابات” مقاومة مشتركة تأتمر من الجانب التونسي بأوامر قائدها العام صالح بن يوسف (الأمين العام للحزب الدستوري الجديد) وقائده الميداني الطاهر الأسود وفي الجانب الجزائري قيادات وحدات جيش التحرير.

وقد أحصينا للفترة الممتدة من أواخر 1954 حتى بداية 1957 ما يزيد على ثلاثين فرقة مقاومة يقودها جزائريون وهي فرق : حمدي باشا (شمال فريانة) عبد القادر السّوفي (جهة القصرين ومكثر)، محمد الجبالي بن عمر الجيلاني (منطقة قفصة)، الزين لسود (جبال الرديف)، أحمد الشريف (سوق الأربعاء وجبال خمير)، قدوري صالح (الكاف وتاجروين)، عبد الله بولحية (جهة ساقية سيدي يوسف)، الفهري باشا (على الحدود – الكاف)، الصحري عبد الله اللّموشي (جهة الكاف)، عبد الله العبيدي (جهة تالة)، أحمد القبايلي (جهة خمير وسوق أهراس)، الحاج عبد الله (جهة الكاف وسوق أهراس)، فاهر التكوكي (جهة القصرين)، عبد الله بلهويشات (تاجروين، الساقية، الفالتة)، عمارة العسكري بوقلاز (الكاف وسوق الأربعاء)، عبد الله بورب (تاجروين – الكاف) قنزة محمود (بوربيع – قلعة سنان)، بحري حمّان بن زروال (قماطة – طباقة)، البحري علي (الحمرة)، سمعلي صالح (القصرين – تالة)، عثماني أحمد فريد (الرديف)، عنتر ابراهيم (جهة المناجم بقفصة)، الحاج لخضر (جهة الكاف)، محمد الجبالي السّوفي (الجريد – المناجم)، فقيري عبد القادر (كردوس) (تمغزة، المتلوي- عليمة)، بلقاسم جغري (الحدود)، الطالب العربي (جبال شمال شط الجريد)، عبد الكريم سلطانة (بسكرة – الحدود)، محمد الصغير (جهة قفصة) .

هؤلاء المجاهدون شاركوا طيلة الفترة (1954 – 1957) في معارك كبرى مع القوات الفرنسية وقد أحصينا في دراسة سابقة لنا، أكثر من 28 معركة هامة تدخّلت فيها القوات الفرنسية بالطائرات والمدفعية وكان فيها المقاومون الجزائريون إلى جانب رفاقهم من التونسيين نذكر منها : معركة خنقة الثالجة (3/1/1956)، معارك جبال قفصة بقيادة الجزائري الشيخ صالح (5-30/9/1956)، معركة جبل طريش (14/3/1956)، معارك مطماطة ومدنين (26-31/3/1956)، معركة جبل المرّة الأولى بقيادة الطالب العربي (31/3/1956)، معركة بورملي (أوت 1955) بقيادة الطيب لندوشين، معركة النقب (10/10/1955) التي استشهد فيها قائدها الجيلاني السوفي، معركة سيدي عيش (مارس 1956) بقيادة عثمان سعدي بن الحاج…

وقد سقط في هذه المعارك شهداء كثيرون من التونسيين والجزائريين لا زلنا نجهل إلى حدّ الآن هويّاتهم إلا البعض منهم والذين أشارت إليهم تقارير الجيش الفرنسي أو شهادات رفاق السلاح من الأحياء. ولعلّ شبهة “الخيانة للوطن” التي ألصقت تحت حكم بورقيبة بهؤلاء المقاومين، والتي محاها النظام الحالي، هي التي غيّبت هؤلاء الشهداء من قائمة الذين ضحّوا بدمائهم من أجل استقلال تونس والجزائر.
على كلّ إنّه من الثابت حاليّا إنّ هذه “الثورة الثانية” تحت راية تحرير المغرب العربي كانت وازنة في مسار تحرّر تونس وإحرازها على استقلالها التام وإن تدخّل الثوار الجزائريين في تلك الأحداث كان له تأثيره الكبير في تغيير الإستراتيجية الحربية والسياسية لفرنسا فالخوف من تشتيت قواتها العسكرية على جبهات واسعة (من المغرب الأقصى إلى الحدود مع طرابلس) وربط الجنوب التونسي المتمرّد بجبال الأوراس والنمامشة الثائرة يضمن التموين بالسلاح من طرابلس، واستشراء حالة انعدام الأمن والتعدّيات أفقد المعمّرين الفرنسيّين وأصحاب الشركات والمناجم الشعور بالأمن وحتى الرغبة في البقاء وطول فترة المعارك في الشمال الإفريقي تزيد من حدّة المعارضة للحرب في المتروبول…

كلها عوامل دخلت في حسابات فرنسا للتعجيل بمنح تونس استقلالها بعد 9 أشهر بعدما كانت في جوان 1955 مصرّة على أن لا تمنحها أكثر من استقلال داخلي فاقد لمقوّمات السيادة الفعلية.
الأستاذ عميره عليّه الصغيّر

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

The reCAPTCHA verification period has expired. Please reload the page.