غموض وشبهات فساد في صفقات التحاليل السريعة!

0

المنبر التونسي(تحاليل سريعة) – كشف تحقيق استقصائي أجرته الصحفية خولة بوكريم وانتجته ”شبكة أريج”، عن شبهات فساد في صفقة شراء التحاليل السريعة لقصي الإصابات بفيروس كوفيد-19.

وجاء في التحقيق، أن صفقة 400 ألف تحليل (أعلن عنها رئيس الحكومة السابق إلياس الفخفاخ) ‘أحاط بها غموض ولم يتم الكشف عن تفاصيلها، خاصة فيما يتعلق بهوية الشركات التي فازت بالعرض ولا عن تواريخ وصول الشحنات”.

وحسب التحقيق، فإنه ”على الرغم من إعلان مدير عام الصيدلية المركزية عن أن تونس ستتسلم الشحنة من شركتين أوروبية، فرنسية – سويسرية، وأخرى كورية جنوبية، إلا أن الصيدلية المركزية لم تنشر لا على موقعها الرسمي ولا على موقع الصفقات العمومية أسماء الشركات والأثمان”.

وأكّدت ”الدكتورة نصاف بن علية، المديرة العامة لمرصد للأمراض الجديدة والمستجدة، لمعدة التحقيق، أن تونس لم تتلق شحنة تحاليل سريعة من الصين وأنها حصلت فقط على هبة صينية عبر المركز الأفريقي لمراقبة الأمراض، تمثلت في مجموعة من التحاليل المخبرية rt/pcr وليست تحاليل سريعة.

وقالت الدكتورة يسرى قرقني عن وزارة الصحة ”إن الشحنة تقريبا وصلت” دون أن تعطي تفاصيل اضافية. وبيّنت أن الشحنة تتكون من 200 ألف تحليل antigéniques وهي تحدد الجينات والمستضدات لكريات الدم البيضاء البشرية. و 200 ألف تحليلanticorps وهي خاصة بالتحقق من وجود الأجسام المضادة للفيروسات. وعن أسماء الشركات التي تم اقتناء التحاليل منها، رفضت الرد.

ورصدت معدة التحقيق مجموعة من التحاليل المستخدمة في 5 مستشفيات حكومية وتبين أن وزارة الصحة استخدمت تحاليل مخبرية من نوعية PCR ولم تستخدم التحاليل السريعة في المستشفيات كما صرح المكي في 3 أفريل الماضي، حيث قال أنه سيتم استخدامها في المستشفيات في مرحلة أولى.

في الأسبوع الثالث من رفع الحجر الصحي، رصدت معدة التحقيق مجموعة من التحاليل السريعة التي تم استخدامها بمناسبة عودة تلاميذ الباكالوريا إلى مقاعد الدراسة في 26 و27 ماي المنقضي، وقع استخدامها في مدارس كل من ولايات قفصة (الجنوب الغربي لتونس) و المنستير (الساحل التونسي)، والملفت للانتباه أنها منتجات صينية من شركة Sinocare، لكن نصاف بن علية قالت  “صحيح أن التحاليل التي رصدتها معدة التحقيق قد تكون صينية لكنها أكدت أن تونس لم تتسلمها بصورة مباشرة من دولة الصين، بل قد تكون أتت في شكل هبات من دول مختلفة”.

وأضافت أن التحاليل السريعة الصينية التي رصدتها معدة التحقيق هي من المخزون السابق، أي قبل الشروع في استخدام الكميات التي اشترتها من 400 ألف تحليل”.

وقالت معدة التحقيق إنها مع شركة sinocare الصينية وسألتها عن الكميات التي زودت بها تونس من التحاليل السريعة وتواريخ وصولها ولكنها لم تحصل منها على رد. كما تواصلت مع شركة NOBELEBIO الكورية الجنوبية في خصوص التحاليل المخبرية، وافادها أحد ممثلي الشركة أنه لم يتم التعامل مع الدولة التونسية بشكل مباشر ولم تكن هناك صفقة. وانه ربما أحد الوسطاء هو من باع للحكومة التونسية تحاليل PCR.

تحاليل من فرنسا

أكدت معدة التحقيق أنها رصدت في نفس الفترة المذكورة نوعية تحاليل سريعة ثانية من شركة فرنسية تدعى Biosynex في ولاية قبلي، استخدمت في تقضي الإصابة بالفيروس بالنسبة للطلبة الوافدين على المعهد العالي للدراسات التكنولوجية بقبلي، ولفائدة طلبة وأساتذة بولاية منوبة.

وأشارت إلى أن رياض زيان، مدير عام شركة “GS santé” الممثل الرسمي لمخبر BIOSYNEX في تونس صرح يوم 25 مارس، في إذاعة اكسبراس اف ام بأن الدولة التونسية أُعجبت بهذا المنتوج بعد أن قامت الشركة بإطلاعها عليه وأنها اختارته “مبدئيا” للتعامل به. وفق ما أدلى به في المقابلة الإذاعية.

وقالت إن هذا التصريح ثلاثة أيام فقط قبل أن تنشر الصيدلية المركزية التونسية للعموم طلب استشارة العروض لشراء 400 ألف تحليل سريع بتاريخ 28 مارس.

وقال رياض زيان لمعدة التحقيق: “قمنا في بادئ الأمر بعرض منتوجنا على وزارة الصحة، و أبدينا استعدادنا للتعامل معهم، ثم تلقينا دعوة في 20 مارس، من اللجنة العلمية لمكافحة الكورونا، وكانت حاضرة فيها الدكتورة نصاف بن علية، وطلب منا أعضاؤها أن نعطيهم فكرة عن منتوجنا الخاص بالتحاليل السريعة وطرحوا علينا بعض الأسئلة التقنية. كان في اللجنة أكثر من 20 شخصا، وقد أعجبوا بمنتوجنا وأخبرونا أن بإمكانه أن يكون حلا للأزمة”.
بعدها، شاركت Biosynex ، حسب زيان، في طلب العروض الذي نشرته الصيدلية المركزية و”كان عدد المشاركين 108 وكنا نحن آخرهم، حيث كان رقمنا 108″. وقد قدمت عرضا ب 200 الف تحليل سريع يبلغ سعر الواحد 15 دينارا (5 دولارات وربع تقريبا). وربح العرض.

تصريح زيان لمعدة التحقيق يبين تضاربا واضحا بين ما صرح به مدير الصيدلية المركزية تحت قبة البرلمان بأن عدد المتقدمين للعرض هم 107 وليس 108. ليطرح هنا السؤال لماذا أخفت الصيدلية المركزية رقم “108”. ولاستيضاح الأمر، تقدمت معدة التحيق بمطلب كتابي لمقابلة مدير الصيدلية المركزية لكنها لم نتلق ردا.

وبمواجهة معدة التحقيق لزيان بخصوص اتفاق مسبق مع الدولة لشراء منتجهم حتى قبل نشر طلب العروض. نفى ذلك وصرّح، أن الدولة التونسية كانت ترغب بعد صفقة 200 ألف تحليل، في شراء 500 ألف تحليل سريع من هذا المنتوج، حيث قال : “تواصلت وزارة الصحة مع السيد توماس لامي Thomas Lamy، المدير العام لشركة Biosynex وقالت له نحتاج 500 ألف تحليل إضافي ونرجو الإبقاء على نفس سعر الصفقة الأولى أي 15 دينارا للتحليل الواحد. كما قالت أيضا أنها من المحتمل أن تنشر قريبا طلب عروض ب 500 الف تحليل سريع لذلك “جهزوا أنفسكم”.

في نفس السياق، صرّح Thomas Lamy في الثالث من شهر أفريل، في جريدة L’Opinion المغربية أن وزارة الصحة التونسية طلبت من شركته تصنيع 500 ألف تحليل سريع. ولكن حسب الزيان فإن هذه الصفقة ألغيت لأن الآجال التي أعطيت لهم للتسليم كانت قصيرة، مقارنة بالطلب الكبير على منتوجاتهم من عديد البلدان في العالم.

وبين الخبير في الصفقات الحكومية، شرف الدين اليعقوبي أنه بما أنه هناك 108 مشارك في طلب العروض العمومي للتحاليل السريعة، وجب التساؤل حول جدوى اختيار شركة Biosynex دون غيرها، مضيفا “لأن هذا الرقم المهم يدل على أن التحاليل السريعة متوفرة في السوق وقتها وغير شحيحة” بحسبما قال لمعدة التحقيق.

واعتبر أن ”الأمر الوحيد الذي يعلل اختيار الصيدلية المركزية لـbiosynex دون سواها، هو مقارنة المعايير التقنية لمنتوج الشركة مع شركات اخرى، فان كانت المعايير التي وضعت في الشروط الأولية لا تتوفر إلا في منتوج Biosynex، وقتها يمكن الجزم أن الصفقة معمولة على المقاس شركة بعينها. كما استغرب اليعقوبي إبرام الصيدلية المركزية التونسية صفقة في أوائل أفريل الماضي مع شركة لم تتحصل حتى على موافقة البلد الذي تصنع فيه، وهو حال Biosynex. حيث صرح ممثلها زيان بأن منتوج Biosynex الخاص بالتحاليل السريعة يباع داخل التراب الفرنسي في شهر مارس، في حين أن وزارة الصحة الفرنسية لم تصادق على ترويجه في فرنسا إلا في 22 ماي  2020”.

شبهات فساد

 جاء في التحقيق، أن صفقة التحاليل السريعة المذكورة حامت حولها “شبهة فساد” لا سيما في خصوص الآجال التي نشر فيها طلب الإستشارة لاقتناء 400 ألف تحليل سريع ، وطريقة تعاطي الصيدلية المركزية مع الموضوع بعد الامتناع عن نشر نتائج الصفقة والتعريف بهوية الشركات التي فازت بها.
تلقت الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد بتاريخ 20 أفريل الفارط إشعارا عن شبهة تلاعب في صفقة شراء التحاليل السريعة.

وقالت ألفة الشهبي، مديرة عامة بالهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، إنه حسبما جاء في الإشعار فإنّ الآجال التي فتحت فيها طلب عروض استشارة دولية في4 أيام فقط، تضمنت يوما عطلة وهما السبت والأحد. وبالتالي لم يتسن لكل الشركات تحضير الوثائق الإدارية والمالية المطلوبة لعروضهم والاطلاع بشكل معمق على فحوى الاستشارة. كما أشارت الشهبي كذلك إلى أن طلب العروض المذكور جاء وكأنه موجّه لشركة بعينها، كانت تملك معلومة ممتازة عن الصفقة. كما أن عدم نشر نتيجة طلب العروض وإشهار أسماء الشركات الفائزة به يزيد من الشكوك حولها.

وقال الخبير في الصفقات الحكومية، شرف الدين اليعقوبي، إنه عادة ما يخصّ طلب عروض الاستشارات الحكومية، كميات ومبالغ صغيرة لا تتجاوز 70 ألف دينار تونسي، وفق الفصل39 من الأمر عدد 2551 لسنة 2004 المتعلق بالصفقات الحكومية التونسية. في حين أن الاستشارة المذكورة تضمنت طلب عروض حول 400 ألف تحليل سريع، هو عدد ضخم يثير عدة تساؤلات حول طريقة التعاطي مع هذه الصفقة.

ولفتت معدة التحقيق، إلى أن الغموض بشأن التحاليل السريعة ومدى صحة خبر وصولها من عدمه لم يتوقف عند صفقة 400 ألف تحليل بل تكرر في صفقة ثانية لم تنشر تفاصيلها الكاملة للعموم، حيث صرح وزير الصحة الأسبق، عبد اللطيف المكي في 19 أفريل عن “طلبية بمليوني تحليل سريع سوف تكون على ذمة التونسيين في ظرف يومين”، إلا أنها لم تصل.
وأشارت إلى أن الصيدلية المركزية نشرت يوم غرة ماي، أي 3 أيام قبل الرفع التدريجي للحجر الصحي، طلب عروض جديد لشراء كمية إضافية من التحاليل السريعة لم تحددها في الطلب، ولكنها حددت تاريخ انتهاء آجاله ب 15 ماي المنقضي. 

انتهت الآجال ولم يتم الإعلان على نتيجة الصفقة على موقع الصفقات العمومية، لكن رئاسة الحكومة التونسية نشرت في نفس التاريخ بعضا من المعلومات عن مقتنيات الصيدلية المركزية من معدات الوقاية في فترة مجابهة، كوفيد-19 وكان فيها مبلغ طلب عروض متعلق بشراء مليون و600 ألف تحليل سريع، والمقدر ب 32 مليون دينار تونسي.

وفي هذا الصدد، أكدت الدكتورة يسرى قرقني عن وزارة الصحة أن “الصيدلية المركزية نشرت طلب العروض، لكنها ليست مستعجلة على دراسة العروض، ولم تفتحها بعد”.

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

The reCAPTCHA verification period has expired. Please reload the page.