متعة الموسيقى الخالصة بسهرة “القوالي والفلامنكو” بمهرجان قرطاج الدولي

0

قضى جمهور مهرجان قرطاج الدولي سهرة ممتعة مع أحد أبرز وجوه المؤدية للقوالي الباكستاني فايز علي فايز وخوان غوماز المشهور باسم تشيكيللو فنان الفلامنكو وعازف القيثارة الإسباني الشهير.

وقد رحب الجمهور النوعي الذي أقبل على السهرة ( الثلاثاء 14 جويلية ) بأعداد محترمة بعملية المزج بين موسيقى شرقية صوفية متغلغلة في القارة الآسيوية وخصوصا في الهند وباكستان والبنقلاديش وبين الفلامنكو التعبيرة الفنية التي يتميز بها الغجر الذين هاجروا من شمال الهند منذ أكثر من ألف سنة وهناك من يعتبر كذلك أن الفلامنكو نشأ على وقع معاناة الأندلسيين الذين عذبوا وهجروا من أراضيهم بعد طرد المسلمين من اسبانيا، المهم أن هناك روابط تاريخية بين القوالي والفلامنكو ذلك أن الهنود والباكستانيين تأثروا بدورهم بالإنشاد الصوفي في منطقة شمال إفريقيا لنخلص إلى الحقيقة التي لعلها الوحيدة الثابتة على الأرض وهي أن الموسيقى هي تقريبا الأداة الوحيدة التي تجمع بين البشر واللغة الوحيدة التي لا تحتاج إلى ترجمة.

ولعل جمهور قرطاج الذي طرب للأناشيد الصوفية وللذكر دون أن يفقه كثيرا في الكلمات دليل على ذلك. فالعرض الذي يندرج في خانة الموسيقى المتقنة كسر الحدود عندما خاطب الوجدان وتسرب إلى أعماق الروح مؤثرا بشدة في الجماهير التي صفقت للثنائي المذكور وللمجموعة المرافقة التي تتكون بالخصوص من نجوم الفلامنكو ديكاندي وميغال بوفيدا وعازفي الإيقاع ومجموعة من الشباب المؤدين للقوالي الذي يتميزون بموهبة واضحة لكنهم يحتاجون إلى الدربة.

فالقوالي وكما هو معلوم يلقّن جيلا بعد جيل منذ مئات السنين وتنطلق المسيرة منذ الصغر وهي تحتاج إلى الصبر وإلى نفس طويل وعلي فايز علي يعتبر “الوريث الشرعي ” للصوت الملائكي نصرت علي خان الذي رحل بعد أن أطرب الملايين من الجماهير العاشقة لهذه النوعية من الموسيقى الراقية وترك لديها الأثر الطيب.

فايز علي بدوره ينحدر من أسرة “تحترف” القوالي منذ سبعة أجيال.
انتفت الحواجز إذن بين الشرق والغرب في سهرة الثلاثاء في مسرح قرطاج الأثري حتى وإن حافظت كل موسيقى على خصوصيتها وعلى طابعها المميز. كنا إزاء حنجرات قوية مثلما يتطلبه الفلامنكو من عنفوان وهو الفن الذي يخرج من أعماق الذات وصوت فايز علي الرخيم والمليء بالشجن الذي يذوب في الذات الإلهية ويناجي النبي المصطفى.

- festival_de_carthage-Flamenco

جمع الطقس الديني والمناجاة والعتاب والحمد بين عالمين موسيقيين انصهرا وشكلا عالما واحدا فترى الفنانيين الإسبانيين (الأوروبيين) يناجون مع الفنانين الباكستانيين المصطفى بنفس الدرجة من التأثر والذوبان في عالم المناجاة وينادون بنفس الإحساس النابع من أعماق الروح “يا مصطفى” بكل النغمات ويرددون الله الله هو الله ولا إله إلا الله…العرض كان متعدد اللغات، أدت المجموعة بالإسبانية أغان موضوعها الجوهر الإنساني وتسامي الروح البشرية.

انطلق العرض بعد القاء قصيدة أولاد أحمد والنشيد الوطني على ايقاع صوت القيثارة المليئ بالشجن ومنذ اللمسات الأولى على أوتار هذه الآلة الساحرة سرى احساس عجيب بأننا نتحرر رويدا رويدا من جاذبية الأرضية لنحلق في سماء الموسيقى الخالصة وتتفاعل أوراحنا مع الاصوات العذبة تارة والباكية الشاكية تارة أخرى والثائرة المعاتبة بقوة في أحيان أخرى وكلما تقدمنا في الرحلة كلما توغلنا أكثر في عالم من الروحانيات ولا تزيد آلات الإيقاع المميزة للقوالي إلا نقرا عل أوتار القلب فتأجج الأحاسيس وتعمق الشعور بأننا في رحلة خارج إطار الزمان والمكان. رحلة لا نستفيق منها إلا على استعداد الجماعة للحظة الوداع بعد ساعة ونصف من الموسيقى والإنشاد ووقوفها لتحية الجمهور الذي أظهر من التفاعل والتناغم مع فقرات العرض ما يلفت الإنتباه.

فمثل هذه الجماهير التي تحترم الموسيقى الراقية وتطالب بالمزيد كما فعلت في سهرة القوالي والفلامنكو لا تقل بدورها رقيّا ولعل من بين أهداف مهرجان قرطاج الدولي بل من بين واجباته تلبية رغبات الجماهير المتذوقة للفن الراقي والمتعطشة للتجارب الموسيقية المتميزة التي تخاطب وجدان البشر وروحهم بقطع النظر عن الدين وعن العرق واللون ببرمجة سهرات على غرار سهرة القوالي والفلامنكو.

جدير بالذكر أن وزيرة الثقافة السيدة لطيفة لخضر حضرت العرض ورحبت بشدة في تصريحاتها الإعلامية بفكرة الدمج بين العوالم الموسيقية المتنوعة وأكدت على قيمة العرض الفنية والثقافية والرمزية.

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

The reCAPTCHA verification period has expired. Please reload the page.