رامي الصالحي: “رئيس الجمهوري الشجرة التي قد لا نقطف ثمارها”

0

المنبر التونسي (رامي الصالحي) – قال مدير الشبكة الاورومتوسطية لحقوق الانسان في المغرب العربي، رامي الصالحي، اليوم السبت 21 أوت 2021، إنّ رئيس الجمهورية قيس سعيّد “الشجرة التي قد لا نقطف ثمارها”.

وأضاف الصالحي في تدوينة نشرها على صفحته الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، “بغض النظر عن التعبئة في مواقع التواصل الإجتماعي لفائدة “مشروع” قيس سعيّد الذي لا يعرفه سواه. وهي تعبئة لا تقل عنفا ولا شراسة ولا لاأخلاقية عن سابقاتها لفائدة من سبقوه، فإن المؤشرات الموضوعية لفشل مشروع الرئيس أكثر بكثير من مؤشرات نجاحه”.
وذكر الصالحي هذه المؤشرات كالأتي:
على المستوى السياسي الوطني :
أولا: ما فتئ قيس سعيد يستعدي كافة القوى الوطنية منظمات وأحزاب بما في ذلك تلك التي صرّحت بدعمه أو لمّحت بوضوح إلى ذلك. ولم يفوّت على نفسه فرصة لقتزيمها أو تهميشها وبلغ به الأمر إلى التهكم عليها. بل وقد اتهمها سابقا بتنظيم الحوارات المغشوشة وحياكة المؤامرات في الغرف المظلمة، وهاهو اليوم يدعوها مسهزءا إلى البحث عن خارطة الطريق في كتب الجغرافيا. وحتى بعض الأحزاب السياسية التي تستجدي “ودّ” الرئيس فينطبق عليها التالي: “وإذ بعض الوجوه صفعت بالشباشب، تساءلت الشباشب بأي ذنب صفعت”. وعليه فقد فرض الرئيس على نفسه “إقامة جبرية” سياسية ومدنية.
ثانيا: الرئيس لا يمتلك حزبا ولا جمعية أو أية “ماكينة” مهما كانت سعة اصطوانتها، تساعد على التعبئة والتأطير وتوحيد الرؤيا وتقديم الكفاءات وتفسير الخطاب… هو واحد أحد لا شريك له، يستمد قوته من دعم شعبي يجمع من المتناقضات الشيء الكثير وقد أثبت الماضي القريب والبعيد نسبيته ومزاجيته وعرضيته بل وأيضا انتهازيته. وحتى من صمّوا آذاننا بنسبة 90% الداعمة للرئيس في حربه ضدّ الفساد، تناسوا زورا وبهتانا نسبة ال20% فقط التي تنوي التصويت ل”حزبه” في التشريعية، متغافلين عن نسبة 80% ممن قد يتفقون معه حول المبادئ ويختلفون جذريا معه حول آليات تطبيقها.

ثالثا : الرئيس استعدى شرائح واسعة من المواطنات والمواطنين بإجراءات تعسفية جائرة، وعلى رأسها المنع من السفر، شملت آلاف أصحاب الأعمال والقضاة والوزراء والنشطاء والبرلمانيين والسياسيين وإطارات الدولة وعديد المواطنين العاديين الذين تضرروا من السلطة التقديرية التي أسندت لوزارة الداخلية. فإلى جانب عديد الحالات التي تم رصدها من قبل المنظمات الوطنية والدولية، تجنّب المئات من المتضررين الإعلان عن منعهم من السفر خوفا من بطش النظام الجديد وخوفا من الوصم الإجتماعي والمحاكمات الشعبية المشفوعة بالإدانة النهائية والدعوة العلنية للقصاص والإنتقام. هذا فضلا عن إجراءات الإقامة الجبرية والمحاكمات العسكرية للمدنيين في قضايا مدنية، في مخالفة صريحة لمقتضيات الدستور وللمعاهدات والاتفاقيات الدولية التي أمضتها الدولة التونسية.

رابعا: رئيس الجمهورية لم يبذل جهدا ولو بسيطا في استمالة شرائح واسعة من نساء تونس، بل على العكس تماما فقد خلق شرخا وتمييزا مجانيا وغير مسبوق بين فئات النساء الإقتصادية والإجتماعية والثقافية وذلك من خلال مواقفه الصريحة والعلنية المعادية للمساواة ولحقوق النساء.
خامسا: لا يقدّر الرئيس مدى خطورة الجوقة النوفمبرية الشعبية والإعلامية عليه وعلى مشروعه. حيث استحال مريدوه إلى مجموعات تهديد ووعيد واستتابة ذكرتنا بسلوكيات لجان التنسيق والشعب الترابية والمهنية التي لفظها الشعب التونسي ذات ثورة مجيدة. وحتى بعض وسائل الإعلام، لا سيما العمومية منها، وبعض الخاصّة أيضا، تحولت بشكل آلي ومرن إلى أبواق دعاية بخطاب ركيك وممجوج ينطلق بإذن سيادته ويختتم بتعليمات من لدنه !

سادسا: يغفل قيس سعيّد تعلق البعض منّا، على قلتنا، بمبادئ الحقوق والحريات واستعدادنا للنضال من أجلها بكل ما أوتينا من قوّة. وله في نضالنا ضدّ نظام بن علي، الذي كان خبيرا لبرلمانه ومحاضرا في بعض شعبه، أسوة. وأذكره في ذلك بقوله تعالى: كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله.
على المستوى الشخصي:
أولا: يعتمد الرئيس قيس سعيّد معجما مبهما فنجده قرآنيا تارة بما فيه من مواعظ وروحنيات وزهديات وأحيانا داعشيات، ونجده أدبيا عباسيا تارة أخرى بما فيه من روح دعابة وإيحاءات وإحالات طريفة وجنسيات لطيفة. وبين هذا وذاك يلح سيادته على الإرعاد والإزباد والتهديد والوعيد ولا يستثني من خطابه المليء بالكراهية والبغضاء والتفرقة، أحدا.

ثانيا : لقد أثبت رئيس الجمهورية كفاءة في إختيار عديمي الكفاءة، حسبهم في ذلك الولاء والطاعة، بدءا بزمرة مستشاريه الذين استقال ثلاثة أرباعهم مرورا برئيسي الحكومتين المقالتين و وزرائه وولاته وقياداته الأمنية…. وقد تطالعنا الأيام القادمة بمفاجأت حول بعض التعيينات على غرار ما يشاع عن “كناطري” المحروقات الذي تحول بقدرة “القادر” إلى رجل دولة لمجرد كونه منخرط في الحملة التفسيرية للرئيس سعيد: “فجذبه جذبة حصله بها في الجنة”.

ثالثا: لا يحتاج المرء جهدا ولو بسيطا ليقف على حقيقة ضعف الرئيس في المسائل المالية والاقتصادية وهو ما يقرّ به بنفسه علنا صوتا وصورة. ولن يشفع له خلع مركز تخزين البطاطا ولا اقتحام شركة مواد البناء في التخفيض من أسعار المواد الغذائية والسلع ومواد البناء والأدوات المدرسية… فعلى العكس تماما، كلما اقترب من أية سلعة كانت إلا وارتفع سعرها سريعا، لأنه لا يفهم في الأسواق والتجارة واللوبيات والمحتكرين والعصابات التي تتأقلم وتناور وفق منطقها الخاص ولديها تكتيكاتها وآلياتها ودفاعاتها… قد يسبب لها بتحركاته السريعة المباغتة طفرة جلدية حميدة ولكنه لن يضربها في مقتل بهكذا ارتجالية.
رابعا: رئيس الجمهورية يعتمد سياسة غير شفافة وإقصائية في ترجمة رؤيته السياسية. يقود العامّة بالسلاسل من رقابها نحو جنتها الفضلى ! أنحن مواطنون أم رعايا ؟ ألا يحق لنا معرفة مصير بلادنا ومستقبلها ؟ أيبخس حقنا في مناقشة بنات أفكاره ومساءلتها ؟ هل يؤمن فعلا بالديمقراطية وبحق الشعب في تقرير مصيره ؟ هل يختزل الشعب في زمرة المنافقين المطبلين مسلوبي الإرادة والكرامة ؟ تساؤلات عديدة وربما لا متناهية حول مشروع سياسي هلامي خطير لا يرتقي حتى لدرجة الشعبوية.
على المستوى الدولي:
يبدو أن رئيسنا لا يقدّر خطورة وضعية المالية العمومية للبلاد التونسية كما أن توجهاته “القذافية” لن تجديه نفعا في مواجهة قوى دولية وإقليمية ظالمة غاشمة لا تحركها سوى مصالحها. يتوهم كثيرا من يعتقد أن الولايات المتحدة الأمريكية وبلدان الإتحاد الأوروبي تراهن على تونس كشريك إقتصادي وسياسي فاعل في المنطقة. نحن في حساباتهم مجرّد قاعدة تدخل عاجل في بلدان الجوار لبترولها ولمالها ولغازها. كما لا نعدو مجرّد حرس حدود لمكافحة الهجرة غير النظامية والإرهاب. وحتى وعود دول الخليج، التي طالما ملأت بطوننا غازا، فهي لم ولن تكون خارج إرادة الإدارة الأمريكية، تلك الإدارة التي عبرت بوضوح عن رفضها لما يقع في تونس في صيغته الحالية. أن تكون القذافي ولديك الغاز والبترول فذلك ممكن ! أن تكون عبد الناصر ولديك ثقل الشعب المصري وتهدد جوارك من الكيان الصهيوني فذلك ممكن أيضا ! أما أن تكون كليهما وأنت في تونس، فتلك قطعا مسرحية هزلية وتراجيديا شعب مقهور.
سيدي الرئيس، رغم ما يبدو فيما كتبت من قسوة وكوميديا سوداء فإنني أقسم بالله والوطن أنني أتمنى صادقا أن تنجح في مسعاك، ولكن بشرط وحيد: أن تطبق حرفيا وبسرعة قياسية عكس ما كتبت أعلاه.

أختتم بأن أتوجه إلى طيف واسع من الديمقراطيين والحداثيين والثوريين… الذين يساندون قيس سعيّد وقد عمت بصيرتهم، فرحين مسرورين بإقصاء حركة النهضة من الحكم وسليلها إئتلاف الكرامة لأقول لهم الحقائق التالية:
أولا : حركة النهضة تعيش أحلك فتراتها وقد فقدت الجزء الأكبر من شعبيتها ونخرتها الخلافات الدّاخلية. عشر سنوات من الحكم فشلت فيها على جميع الأصعدة، وساهمت فيها في خراب الدّولة ومؤسساتها وفي انتشار ثقافة الزبونية والفساد والإفلات من العقاب، فتقهقر ناخبوها تدريجيا من مليون و500 ألف سنة 2011 إلى 900 ألف سنة 2014 إلى 500 ألف سنة 2019 إلى 300 ألف في آخر سبر للآراء. وفي الوقت الذي كنّا نراها تتداعى فيه يوما بعد آخر جاء بيان قيس سعيّد ليحوّلها من جماعة متقهقرة بقوّة الإرادة الشعبية وبصندوق الإنتخاب إلى موقع المظلومية وإلى الإنكماش الداخلي والتصلب التنظيمي. كما أنّ صورة راشد الغنوشي وهو يقف أمام باب البرلمان المغلق، والتي ابتهج لها الكثيرون، قد جابت العالم في قراءة مخالفة تماما لما نراه نحن: فهم رأوه رئيس برلمان منتخب يمنع عنه بدبّابة. القضاء على الإسلام السياسي لم ولن يكون أبدا بالإقصاء السياسي ولا بالمعالجة الأمنية، إنّه يكون حصرا عبر الثقافة والتعليم والتنوير والإزدهار وفتح الآفاق لكل فئات المجتمع.
ثانيا: إئتلاف الكرامة هو ظاهرة طفيلية مثل الهاشمي الحامدي وسليم الرياحي وحزب المؤتمر… ساهمت في ترذيل العمل السياسي إلى أدنى درجاته وبدورها كانت ذاهبة إلى زوال وإلى محاسبة لاحقة.
لا يختلف عاقلان في كون مشهد ما قبل 25 جويلية كان يبعث على التقزز وكان يثير فينا حنقا وضيما وغضبا كبيرين، وفي الوقت الذي كنّا ننتظر فيه بروز قوّة وطنية ديمقراطية تقدّمية، أصبحت عبير موسي وحزبها يتصدّران الحياة السياسية. لذلك أجدكم منتشين بما أتاه قيس سعيّد لأنكم يستحيل أن تنتصروا على النهضة ولا على عبير بقوة الصندوق وبالديمقراطية.
نحن في مرحلة “وحل المنجل في القلّة” أغلب الظّن أن ينكسر أحدهما سريعا أو ربما والأخطر على البلاد والعباد أن ينكسرا كلاهما.
وطالما أنّه اللاّعب الوحيد على الساحة والماسك بخيوطها وجيشها وأمنها، فهل يثوب رئيس الجمهورية إلى رشده ويفهم ولو لمرّة واحدة أنه رئيس تونس ورئيس جميع التونسيات والتونسيين، وأنّ تسليك المنجل من القلّة لن يتمّ، على الأقلّ في الظروف الحالية، إلاّ بمبادرة منه.

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

The reCAPTCHA verification period has expired. Please reload the page.